IMLebanon

مساعي بكركي الحوارية

 

 

دينيًا ووطنيًا تظلّ بكركي الأقرب إلى الشعب اللبناني فقط لأهميتها الدينية والوطنية والذي يمكّنها من تأدية دور وطني ديني – استراتيجي هام في صياغة مشروع سياسي مسيحي – مسيحي، ماروني – ماروني، مسيحي – وطني. لا يُخفى على أحد أن ّللصرح البطريركي الأهمية القصوى في التأثير على واقع الأحداث من الناحية الوطنية – الدينية حيث تأثيرها ثقافيًا وسياسيًا على الواقع السياسي اللبناني العام.

بكركي هي مركز استقطاب للعقـول النيِّرة من خلال مؤسساتها البطريركية ومن أبرزها «المركز الماروني للتوثيق والأبحاث»، وهو مؤسسة ثقافية وعلمية لا تتوخى الربح وتعمل برعاية البطريرك وولايته بموجب مرسوم بطريركي صادر بتاريخ 22 أيلول 2004، ومناسبة ولادة هذا المركز كانت من تأمُّل مستفيض في التحديات الملقاة على عاتق الموارنة بعد الحرب على المستويات كافة (مجتمعية – ديمغرافية – جغرافية – إقتصادية – فكرية) وفي طريقة تعاطي الموارنة في الكثير من الأحيان مع هذه التحديات بالتأجيل أو بالتقليل من أهمية القضايا المُثارة، أو بنقص في التخطيط.

وبسبب هذا التأثير وسلسلة من الأحداث العاصفة التي تمر على الموارنة هناك ضرورة للحديث عن «مساعي بكركي الحوارية» التي انطلقت مجددًا في الصرح البطريركي بين الأفرقاء المسيحيين المتخاصمين من دون مبرِّر. إنّ واقع الأحداث يفرض التركيز على دراسة موقع البطريركية المارونية الوطني والديني ومدى تأثره بالأزمات السياسية والديمغرافية والإجتماعية وما هي تداعيات ذلك على الموارنة خاصة واللبنانيين عامة ؟. ولكي يُمكن فهم أهمية الصرح البطريركي لا بُدَّ من إلقاء الضوء على الأحداث التاريخية التي عصفت بالتاريخين البطريركي واللبناني، وكيف أدّت تلك التراكمات إلى بلورة الدور البطريركي في سياق الحياة السياسية للجمهورية اللبنانية.

 

لو استطلعنا تاريخ المورانة في لبنان، نجـد أنَّ أكثر الملفات السياسية تأزمًا هو ملف «الحروب العبثية بين أركان الموارنة»، وهو ما خلق الصراع الدموي والمسار الإنحداري والإحساس بعد الرضى على الوقائع المريرة والضغينة والإعتقالات والنفي والقتل والتصفيات. والخلل يَكمن في أنّ قادة الموارنة ومجموعاتهم يمثلّون نحو 6% من أغلبية الموارنة، بينما الأكثرية الساحقة من الموارنة هي مُبعدة عن مركز القرار ومُهمّشة. إنّ هذا الشعور بالقهر والحرمان والإقصاء وتفضيل مجموعة مُضلّلة على أخرى مثقفة هو من أهم الأسباب لاندثار المارونية السياسية.

إنّ التحديات المصيرية التي تواجه الموارنة خصوصًا واللبنانيين عمومًا تستدعي من قادة الرأي المسيحيين الموارنة تحديدًا تَضافر الجهود لإنقاذ المارونية السياسية من الأخطار الداهمة وهي جد خطيرة، وفي مرحلة تُعدّ الأصعب في تاريخ الموارنة ولبنان، وذلك تزامنًا مع عدم الثقة وعدم التضامن والإنقسامات فيما بينهم وتغليب مصالح الخارج ومصالحهم الشخصية على مصلحة الطائفة والشعب والوطن. وسِمة الإنقسامات تطغى على الجميع ومن دون إستثناء وفي بعض الأحيان، لا بل في أغلبيتها وصلت إلى صراعات دموية مُكلفة.

 

من المفارقات أنه بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني في العام 90، انّ الموارنة مع قادة اليوم لم يعرفوا إلى أين ذاهبون ولا ما هي أولويات التحديات المقبلون عليها في هذه المرحلة من الفراغ الرئاسي والإندثار المطلق في مؤسسات الجمهورية التي أسّسوها في العام 1920. وفقًا لمعلومات ومعطيات يُحاول الصرح البطريركي مجددًا مع ممثلين عن قادة الرأي، ومنذ بداية هذا الشهر في جلسات بعيدة عن الأضواء، إثارة التحديات التي تواجه الجمهورية اللبنانية والموارنة التي تلوح فيها مؤشرات تغيير قواعد اللعبة والتي تُثير انتباه المتابعين وسُبل مواجهة هذه التحديات.

 

يعكس سعي بكركي لإحتضان مثل هذه اللقاءات والممثلين والإجتماع بهم، حرص القيادة الرشيدة على مشاركة الجميع في طرح القضايا المصيرية وتعزيز التعاون الداخلي بين كل الأفرقاء وتشخيص الحالات الراهنة وإقتراح الحلول لمعالجتها، لا سيّما ما يُعنى بقضايا تتعلق بالحضور الماروني الفاعل في الجمهورية اللبنانية وبحث أفضل الوسائل لمواجهة التهديدات والتحديات المتعاظمة التي تقف في وجه المارونية السياسية، والتي لا يمكن مواجهتها بأساليب أو سياسات منفردة.

نظرًا لحراجة الوضع الذي يعصف بالجمهورية اللبنانية على مدى سنوات الأزمة، من المفترض معالجة القضايا العالقة وتبادل الأفكار والرؤى بشأن الآفاق المستقبلية لواقع الدور الماروني في كل المجالات. ومن أبرز العناوين التي من المفترض إثارتها في الإجتماعات على سبيل المثال لا الحصر:

-1 رئاسة الجمهورية التي هي الموقع الأول للمسيحيين عمومًا والموارنة تحديدًا، والذي يجب طرحه: التوافق على إنتخاب رئيس جديد للجمهورية يحمل خطاب قسم مضمونه الإصلاحات المطلوبة، وأن يكون هذا الرئيس منسجمًا ومتعاونًا مع رئيس حكومته من خلال تشكيل حكومة من وزراء أصحاب اختصاص لا أصحاب مصالح وتنفيعات، كما العمل على تصحيح الخلل في الممارسة الذي أكدته التجارب والوقائع الماضية.

-2 حضور المسيحيين ووجودهم في إدارات الجمهورية اللبنانية ووظائفها الأولى ومراكزها الرئيسية أو ما يعرف بالمشاركة في مشروع بناء الدولة، على أن تكون هذه المشاركة فاعلة ووازنة بعيدة كل البعد عن المحاصصة وتقاسم الأدوار كما حصل في بعض التفاهمات السابقة التي حصرت التمثيل في إدارات الدولة بالشخصانية.

-3 الإنتشار المسيحي في الداخل على مستويين جغرافي وديمغرافي، ومن المفترض المحافظة على الإنتشار الذي يغطي مناطق الإختلاط والأطراف والأرياف وذلك بوضع خطط إنمائية وإقتصادية وتربوية وإجتماعية.

-4 الإنتشار اللبناني المسيحي في عالم الإنتشار والطاقات المسيحية في عالم الإغتراب وضرورة الإهتمام بهذه الثروة الوطنية المسيحية المترامية وتشكيل «لوبي مسيحي».

-5 موضوع بيع الأراضي وتملّك الغرباء. وهذا ملف دقيق لا يُقارب بسياسة الإلهاء والتذاكي والكذب، كما هو حاصل.

-6 موضوع اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين ومخاطرهما على لبنان، وواجب التصدي لهما بطرق علمية وواقعية.

 

إنّ مساعي بكركي الحوارية يجب أن تشمل أيضًا في المرحلة الراهنة العناوين التالية: تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور – العودة إلى جوهر الميثاق الوطني – حصرية القوى العسكرية في يد السلطة الشرعية تطبيقًا لقانون الدفاع الوطني – تطبيق المناصفة الفعلية قولاً وفعلاً – تطبيق وثيقة الوفاق الوطني نصًا ومضمونًا.