صار بحكم المسلّم به أن لا حكومة في المدى المنظور. جمّدت الاطراف المعنية مساعيها كل لاعتباراته وانصرفت الى قضاء عطلة الاعياد على وقع أشد ازمة سياسية واقتصادية تشهدها البلاد بتاريخها. كان واضحاً الامين العام لـ”حزب الله” حين قال أمس الأول: “هناك مشكلة ثقة تؤخر تشكيل الحكومة، وهي بشكل أساسي بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري”، وإذ لفت الى وجود “أجواء إيجابية وتعاون بيننا وبين الرئيس الحريري” فإن هذه الايجابية لم تتبلور بعد على مستوى العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بدليل السلبية التي لا تزال سائدة على خط بعبدا – بيت الوسط.
مصدر ذو صلة وثيقة بالقصر الجمهوري نفى كل ما يتم تداوله من ان رئيس الجمهورية ميشال عون يعرقل عملية تشكيل الحكومة وقال ان “عون بدا متساهلاً في عملية التشكيل ولم يطلب ثلثاً معطلاً مقابل ان يكون له الدور في تسمية الوزراء المسيحيين طالما ان كل فريق طائفي أعطى لنفسه حق تسمية وزرائه او الموافقة عليهم. كانت اولى المفاجآت حين زاره رئيس الحكومة المكلف مقدماً لائحة فيها عدد من الاسماء، قسم منها لا علم له بها وأسماء أخرى بعيدة عنه في السياسة وقد تم احتسابها من حصته بينما هم أقرب للحريري مثل جوي صدي المطروح لتولي حقيبة الطاقة والذي تربطه معرفة بالحريري، وفي حين يحتسب الرئيس المكلف فاديا كيوان من حصة رئيس الجمهورية فالرئيس عون الذي يكن لها كل احترام وتقدير لا تربطه بها علاقة مسبقة والمتعارف عليه قربها من النائبة بهية الحريري”.
ويتابع المصدر قوله ان “عون فوجئ أيضاً بتسمية لبنى عمر مسقاوي لوزارة العدل فتحفظ على الطرح انطلاقاً من ان المرشحة لهذا المنصب ليست ذات خبرة مسبقة بشؤون هذه الوزارة فضلاً عن ذلك فإن مدير عام وزارة العدل من الطائفة السنية وكذلك الامر مدعي عام التمييز غسان عويدات ورئيس التفتيش القضائي ما يمكن تفسيره بوجود حرص لأن يتولى الفريق ذاته كل الادارات المتعلقة بالعدل في محاولة للتحكم بملفات الفساد واثارة ما يناسبه منها مقابل التكتم على اخرى خصوصاً وانهم لا يخفون استياءهم من الملفات التي تثار اليوم”.
وما يستغربه المصدر القول ان “عون طرح اسماء للتوزير بينما هو استمع لطرح الرئيس المكلف موضحاً له ان المحامي عادل يمين يمكن طرحه كبديل عن مسقاوي فرد عليه الرئيس المكلف: “هذا عوني وتابع للتيار الوطني الحر”، فأجابه عون: ليس منتسباً للتيار ولا يحمل بطاقة انتساب فأجابه الحريري “ولكنه صديقك”. فأجابه عون حينها: اليست لبنى مسقاوي منسقة في مصلحة شؤون المرأة في تيار المستقبل وتعرفها حق المعرفة؟”.
خلاف آخر هو على المعايير وهذه كانت أيضاً موضع عتب بين عون والرئيس المكلف “حين سأله عون: لماذا يتم اسناد حقيبة سيادية للموحدين الدروز ولا يسري المعيار ذاته على الروم الكاثوليك علماً ان حجمهم يوازي حجم طائفة الموحدين؟ وفيما كان أغلب الظن ان يقع الخيار على سفير لبنان في موسكو شوقي ابو نصار لحقيبة الخارجية فاذا بالرئيس عون يفاجأ بترشيح سفير لبنان في الهند ربيع الترش بدلاً من ابو نصار وتسند له الخارجية وحقيبة الزراعة، فهل يمكن لوزير خارجية ان يجمع بين الشؤون الخارجية وشؤون الزراعة وهل يتناسب هذا الدمج بين هاتين الحقيبتين وما القاسم المشترك بينهما؟”.
اما بالنسبة الى كلام البطريرك الراعي ومواقفه فيقول المصدر المقرب ان “عون وضع الراعي مؤخراً في اجواء مباحثاته مع الحريري واطلعه على اللائحة الحكومية التي كان تقدم بها الرئيس المكلف وابدى البطريرك تفهماً لوجهة نظر عون ليسمع بعدها رئيس الجمهورية تسريبات من اوساط بكركي وتأويلات لتصريحات سيدها مغايرة لمواقفه التي قالها صراحة لرئيس الجمهورية وليتبين لاحقاً ان بعض المستشارين في بكركي ومنهم وزراء سابقون يلعبون دوراً سيئاً جداً للإيقاع بين البطريرك ورئيس الجمهورية وان احد هؤلاء اوحى للبطريرك لاطلاق موقفه الاخير ان المشكلة في تشكيل الحكومة هي عند “حزب الله”.
بات عون على قناعة ان الحريري لا يريد تشكيل حكومة لأسباب تتعلق برفع الدعم محلياً وتمرير مفاعيل التسليم والتسلم بين الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب وتداعياتها. للبعض قناعة بأن الحريري لو كان اراد تشكيل حكومة جدياً لقدم تشكيلة مختلفة تماماً عما قدمه. واذا ركّب الحريري حكومة ما هي الضمانات بالاصلاح؟ وهل سيتجرأ على رفع الدعم؟ هل سيسمح له ببيع ممتلكات الدولة على سبيل الحل؟ وهل سيقبل بإقالة رياض سلامة؟ ومن أين سيأتي الدعم طالما لا وعد بالمال من اي دولة وهو لم يستطع انتزاع اي اعتراف به سوى من فرنسا المحتاجة لانتصار ولا تملك قدرة على تقديم المساعدة المالية؟ وهل يمكن للحريري ترؤس حكومة في عهد عون الذي يصنف في خانة المحور المعادي للسعودية؟ وهل سيقبل بحكومة فيها تمثيل لـ”حزب الله”؟ وهل يستطيع الحزب ان يبقى خارج قرار مجلس الوزراء في هذه المرحلة بالذات؟
كل هذه الأسئلة تؤكد ان تشكيل الحكومة أصبح معلقاً بانتظار تسوية ما متوقعة مع إدارة جو بايدن!