Site icon IMLebanon

بكركي والمبادرة القطرية وتعديل الدستور: الضرورات تُبيح المحظورات

 

كان لافتاً كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من أستراليا عندما تساءل: لماذا نذهب إلى الخيار الثالث بينما هناك مرشحان تنافسا في جلسة حزيران الماضي، هما الوزير السابق جهاد أزعور ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية؟ وفسّره البعض أنه موجّه ضدّ المبادرة القطرية وضدّ المرشحين الآخرين، وعلى رأسهم قائد الجيش العماد جوزاف عون.

 

يمكن تأويل كلام البطريرك، لكن الحقيقة أنّه قيل قبل زيارة الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني الذي لم يستطع الراعي الإجتماع به بسبب وجوده في أستراليا، لكن من يغوص في عمق كلام الراعي يكتشف أنه بمثابة رسالة أراد توجيهها إلى القوى السياسية، وتحديداً الذين يعطّلون جلسات الإنتخاب بافقادها النصاب.

 

وتستهدف الرسالة الأهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يصرّ الراعي عليه لفتح دورات متتالية للإنتخاب، خصوصاً بعد مرور أكثر من 3 أشهر على آخر دورة إنتخابية. أمّا الرسالة الثانية، فوجهها الراعي إلى القوى الداعمة لفرنجية، وعلى رأسها «الثنائي الشيعي»، مستغرباً كيف تُرشح هذه القوى مرشّحاً وتنسحب من الجلسة الثانية وتُعطّل النصاب، بينما يقتضي الواجب الوطني بقاء النواب في المجلس وإعلان حال طوارئ برلمانية لكي ينال أي مرشح 65 صوتاً. يُبدي الراعي تخوّفاً على الكيان أكثر من الخوف على الدور المسيحي، لكنه في الوقت نفسه يدعو جميع القوى إلى إحترام الميثاق الوطني والدستور والنظام الديموقراطي، فعندما يحين موعد انتخاب رئيس مجلس النواب، لا تقاطع الكتل المسيحية الجلسة على رغم اعتراضها على دور بري وطريقة إدارته للمجلس، وعند تسمية رئيس مجلس وزراء تشارك جميع الكتل ولا تُفقد المشاورات الميثاقية، وهنا تسأل بكركي: لماذا إبقاء الفراغ في رئاسة الجمهورية والبلاد تواجه خطر الإنهيار؟ فهل هذا الأمر يحصل عن قصد؟

 

لا تتمسّك بكركي باسم مرشح لرئاسة الجمهورية ولا تُدخل نفسها في لعبة الأفضلية، وكانت تراهن على دور النواب، لكن مع تأزم الوضع وعدم وضوح الصورة، تؤيد بكركي المرشح الذي يستطيع الوصول إلى بعبدا، فالإنقاذ وإنهاء الشغور والحفاظ على الكيان أهم من لعبة الأسماء.

 

تنفي بكركي توجيه السهام إلى ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون أو الأسماء الوسطية الأخرى المؤهلة، فعند وضع بكركي اللائحة الأولى كان قائد الجيش يتصدّرها، كونه يحظى بمكانة خاصة لدى سيد الصرح، نظراً الى مناقبيته العالية ووطنيته ونجاحه في قيادة المؤسسة العسكرية في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان وحفاظه على وحدتها وعدم إنغماسه في الفساد. وإنطلاقاً من كل هذه العوامل، لا تمانع بكركي في انتخاب أي مرشح يتمتع بالمواصفات المطلوبة، فالمرحلة إستثنائية. وبالنسبة إلى الموقف التقليدي لبكركي برفض تعديل الدستور، تعتبر أنه في الفترات الإستثنائية «الضرورات تبيح المحظورات»، فالرفض الأساسي يتمثل بعدم القبول بخرق الدستور والتمديد والتجديد لأي رئيس، بينما في الإنتخاب، لا تقف بكركي في وجه أي حلّ، فكيف الحال بالنسبة إلى انتخاب رئيس للجمهورية!

 

يدخل لبنان بعد شهر تقريباً سنته الأولى بلا رئيس جمهورية، ومع فشل المبادرة الفرنسية، تبقى بكركي الداعم الأول لأي مبادرة سواء كانت فاتيكانية أم قطرية، وإذا كان الراعي لم يجتمع بالموفد القطري، إلا أنّ التنسيق كان حاضراً في الفترة الماضية، وتعلم قطر ما تريده بكركي، وهي تعمل إنطلاقاً من إحترام إرادة المسيحيين أولاً، ولا ترتكب خطيئة باريس بتخطّي المكوّن المسيحي.

 

سيكون لقطر صولات وجولات عدّة من أجل إتمام الإستحقاق الرئاسي، وسيتركّز عملها في الفترة المقبلة على تفكيك العقد الإيرانية نتيجة العلاقة الجيدة مع طهران، بينما سيحاول البطريرك العمل على الداخل من أجل ملاقاة الجهود الخارجية.