عادت بكركي لتدخل بقوّة على خطّ التأليف بعدما توقفت المحركات بسبب عطلتي الميلاد ورأس السنة وسفر الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى الخارج لقضاء العطلة مع عائلته.
في بكركي، هناك تصميم على أن يصل ملف تأليف الحكومة إلى خواتيمه السعيدة لأنه لا يوجد حالياً أي مبادرة خارجية تحرّك المياه الحكومية الراكدة، خصوصاً ان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يحدّد أي موعد جديد لزيارته المرتقبة إلى لبنان.
وما زاد من إندفاعة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هو انشغال الخارج بأزماته وخصوصاً ما تشهده الولايات المتحدة الأميركية من إشكالات متنقلة، بسبب الإنتقال في الرئاسة من الرئيس دونالد ترامب إلى خلفه الرئيس المنتخب جو بايدن.
وفي الوقت المستقطع إقليمياً ودولياً، خرقت زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى بكركي الأجواء الحكومية الضبابية، وبالطبع كما أعلن عون فان زيارته هي للتهنئة بالأعياد بعد تعذّر الرئيس حضور قداس الميلاد في بكركي وما رافقها من حديث عن توتّر في العلاقة بين عون والراعي، ومن ثمّ إيفاد عون السبت الماضي مستشاره الوزير السابق سليم جريصاتي للقاء الراعي.
وترافقت زيارة عون إلى بكركي مع عودة الرئيس الحريري إلى لبنان ما سيُفعّل الإتصالات الحكومية في الساعات المقبلة ويعطي دفعاً للتأليف، خصوصاً بعدما دعا البطريرك الراعي كلاً من عون والحريري لأن يجلسا معاً ويتصارحا ويتصالحا للخروج بحكومة مستقلّة ترضي طموح الشعب وتوقف الإنهيار الحاصل.
ووضع لقاء الراعي- عون إطاراً جديداً للحركة الحكومية، علماً ان عون أراد هذا الإجتماع لإيضاح بعض المسائل للبطريرك الذي يواصل هجومه على معرقلي التأليف، وقد تمنى عون أن يكون اللقاء مع الراعي قد أوضح الأمور بعد كلّ الشائعات التي تُطلق يومياً، خصوصاً “أننا تحدّثنا بالأوضاع العامة، وكلّ ما يحصل معنا لا يُحكى في الإعلام لأنّه يُنقل بطرق مختلفة مع الأسف ونأمل أن يكون اللقاء مثمراً”.
حمل عون وجهة نظره إلى بكركي ونظرته إلى تأليف الحكومة متمسّكاً بوحدة المعايير وبأن تكون الحكومة بداية حلّ للأزمة وليست مشروعاً خلافياً جديداً منذ نشأتها، خصوصاً إذا ولدت مبتورة وشعر أي مكوّن انه غير معني بها، في حين أن تركيز البطريرك كان على عدم استنزاف المزيد من الوقت في عملية التأليف لأن الوضع ينهار بسرعة، ولا أمل بالنجاة من دون حكومة قادرة تنال ثقة الداخل والخارج.
لا تُبدي بعبدا رفضها للفكرة التي طرحها الراعي بعقد لقاء مع الحريري، فالقصر الجمهوري يعتبر أن باب النقاش مفتوح مع الحريري وهناك عدد كبير من اللقاءات عقدت بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وذلك هو أمر طبيعي لأن تأليف الحكومات كما ينص عليه الدستور يحصل بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، لكن هذا لا يعني ان يستفرد أي شخص بالقرار ويعمل على أن الآخر غير موجود، ويستأثر بعملية التأليف على قاعدة “الغمضاء على بياض”.
ويؤكّد أحد المطارنة الذي كان حاضراً في اجتماع بكركي لـ”نداء الوطن” أن كل ما يُحكى عن رفض عون لعقد قمة ثلاثية تجمع الرئيس والحريري والراعي لا أساس له من الصحة، بل إن البطريرك أبلغنا صباحاً بأن رئيس الجمهورية سيزورنا بعد قليل للتهنئة بالعيد بعد تعذّر حضوره قداس الميلاد لأن “كورونا” ضربت عائلته، وقد زارنا الرئيس وكان لقاء صريحاً وواضحاً هدف خلاله الراعي لردم كل هوّة بين عون والحريري والعمل على تسريع عملية التأليف، وكان رئيس الجمهورية متجاوباً مع الطروحات مؤكداً انه متمسّك بمبادرة الراعي وأنه لا يبني المتاريس مع الرئيس المكلّف، لا بل هو منفتح على كل طرح يبادر إليه سيّد بكركي.
ويشدّد المطران على أن الراعي لن يكنّ ولن يسكت على عملية التأخير بل سيواصل مساعيه وعودة الحريري ستساعد على القيام بهذه المهمّة، خصوصاً ان الأخير يتفهّم خطورة الوضع وقد أبدى سابقاً كل تجاوب مع طروحات الراعي، لذلك سيكون هناك تكثيف للإتصالات واللقاءات في الساعات والأيام المقبلة، علماً ان الراعي لا يأخذ طرفاً بل إنه يقف في الوسط من اجل حلّ العقدة الحكومية، كما أن علاقته بكل من عون والحريري جيدة وهو خير وسيط للقيام بهذه المهمة الإنقاذية.
وكان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أكد أن لا صحة للمعلومات التي نشرت عن أن اجتماعاً كان سيعقد صباحاً في بكركي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف برعاية من البطريرك الراعي، والصحيح ان مثل هذا الطرح عرضه البطريرك الراعي على رئيس الجمهورية خلال اجتماعهما ولم يكن الرئيس عون على علم مسبق به.
ومن الواضح أن الراعي منكب على إجراء المزيد من المشاورات بعدما لمس تجاوباً من عون وعدم ممانعة من الحريري لكن من دون ان يعني ذلك أن باب الحل بات قريباً.