تركت أحداث الجنوب الأخيرة تداعياتها على الساحة اللبنانية، إذ سلّطت الأضواء على الحالة الشاذة الموجودة هناك والتي تتمثّل بوجود سلاح غير شرعي يستطيع فتح الحرب ساعة يشاء.
تلعب إسرائيل وإيران لعبتهما إنطلاقاً من الحدود اللبنانية، ويُدخل “حزب الله” البلد في صراعات ليس له أي علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد، وإذا كان “الحزب” فعلاً مستعداً للحرب، فهل البلاد جاهزة للدخول في مثل هكذا معركة خصوصاً وأن أبسط المقومات الطبية للصمود والمقاومة غير موجودة؟
وفي السياق، أتى الموقف الوطني للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ليصوّب على الخلل الأساسي، منتقداً إحتكار فريق معيّن لقرار السلم والحرب وتوريط البلاد في حروب من دون إستئذان الدولة والشعب وتحويل لبنان إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية.
وأحدث كلام البطريرك غضباً لدى “حزب الله” وجمهور “الممانعة” فانهالت الشتائم وحملات التخوين وذهبوا إلى وصفه بـ”راعي الصهاينة”.
لكن في المقابل، رأت أغلبية الشعب أن كلام البطريرك يمثلها وهو صرخة غضب في وجه إستغلال أرض بلادها لمصالح لا تعني البلاد والعباد بشيء، وما ردّة فعل أهل شويّا الجنوبية على إستعمال بلدتهم لإطلاق الصواريخ سوى دليل على أن سلوك “حزب الله” مرفوض وهناك غضب من تصرفاته.
وفي السياق، تشدّد مصادر كنسية عبر “نداء الوطن” على أن البطريرك الراعي قال ما كان يجب ان يقوله المسؤولون في الدولة الذين يرضون بأن يكون هناك سلاح غير شرعي يكبّل عمل السلاح الشرعي.
وتسأل: أين الحكّام من كل ما يجري، لماذا هذا الإنبطاح أمام قوى الأمر الواقع؟ ففي عام 1975 أوصل السلاح الفلسطيني البلاد إلى حرب أهلية مدمّرة، واليوم نسأل إلى أين سيوصلنا سلاح “حزب الله”؟
تنادي بكركي بمرجعية الدولة فقط لا غير وبأن يكون الجيش اللبناني هو القوة الوحيدة التي تمتلك السلاح، لذلك فإنها تدعو “حزب الله” إلى تسليم سلاحه والدخول في مشروع الدولة التي تحمي الجميع وتكفل حقوق المواطنين.
وترى بكركي أن نظرية ضعف الدولة تُشرّع حمل “حزب الله” سلاحه أو العكس مثل نظرية مَنْ قبل البيضة أو الدجاجة؟ لذلك فإن السلاح غير الشرعي وتقوية الدويلة يجعلان الدولة ضعيفة.
يعمل البطريرك الراعي على ملء الفراغ الذي يسببه إرتهان الحكّام لمشروع الدويلة، وينتفض ويثور على السلاح المتفلّت المدعوم من إيران بعدما وصلت الأمور إلى حدّ غير مقبول، وبات “حزب الله” هو الآمر الناهي في معظم المسائل. من هنا، إن مواقف الراعي ستكمل في هذا الإتجاه لأنه في نظر بكركي إن إشتعال الأزمة سببه تحالف مافيا المال مع مافيا السلاح غير الشرعي.
لم يتأثّر الراعي بحملة التخوين التي تُشنّ عليه، فهو يطالب بتطبيق “إتفاق الطائف” والدستور الذي ينصّ على حصر السلاح بيد الشرعية، وكذلك يدعو إلى تطبيق الإتفاقات والقرارات الدولية، من “إتفاق الهدنة” الموقّع عام 1949 إلى القرار 1701 الصادر في آب 2006، وكلها تصبّ في خدمة إستقرار لبنان. وصلت الأمور إلى حدّ غير مقبول، وصرخة الراعي أكبر دليل على رفض ممارسات “حزب الله” والمجموعة الحاكمة التي تدور في فلكه. وفي نظر البطريركية المارونية، يبدأ الحلّ بتسليم “حزب الله” سلاحه وتقوية الدولة، لأن الصراع الحقيقي بين الدولة التي يحلم بها شعب لبنان وبين الدويلة التي تنهش الدولة وهي مسؤولة عن جزء كبير من المآسي التي يعيشها الشعب اللبناني حالياً.