بين عظة البطريرك بشارة الراعي الأحد الماضي واللقاء الذي كان يُفترض أن يكون جامعاً أمس في بكركي، بدا أن ثمة قراراً بإفشال زيارة أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين الذي رغب بأن يخرج اللقاء الموسّع ببيان موحّد يشكّل وثيقة وطنية جامعة يتبناها البابا فرنسيس ويصل صداها إلى الغرب، خصوصاً أن النقاش تمحور حول أوضاع غزة والجنوب اللبناني والخطر الإسرائيلي الداهم على لبنان، ولا سيّما مسيحيّيه لناحية تهجيرهم.تولّى الراعي بنفسه شقاً من «عملية الإفشال» بعد اتهامه «حزب الله»، في عظة الأحد الماضي، بالإرهاب، مطالباً بنزع السلاح وتحييد الجنوب ولبنان واستقدام رعاية دولية لتطبيق القرارات الدولية، وهو ما فُسّر محاولة لإجهاض المساعي الفاتيكانية بجمع مختلف الأفرقاء والوصول إلى خارطة طريق تحمي لبنان، خصوصاً أن الراعي لم يأت على ذكر جرائم العدو الإسرائيلي في لبنان وغزة ولا من يسقطون شهداء في الجنوب، بل دعا عملياً إلى احتلال لبنان من قبل قوات دولية. وبالتالي تقع على عاتق الراعي مسؤولية تغييب المكوّن الشيعي رغم معرفته بأهمية حضوره هذا الحوار، ورغم تركيز الرجل الثاني في الفاتيكان على ضرورة تطبيق رسالة الكنيسة بالعيش معاً. وبدلاً من أن يستغل رأس الكنيسة المارونية المناسبة للتفاوض مع الحزب وربما «جرّه» إلى الموافقة على مواقف يتوافق عليها الحاضرون، عمل على «تطفيش» كل الشيعة بعدما غاب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب عن اللقاء، فيما تغافل البطريرك عن سبب هذا الغياب، مشيراً إلى «عدم علمه» بالدافع وراء غياب المجلس.
أما الشقّ الآخر من عملية إفشال مبادرة بارولين فتولّاه رئيسا حزبَي القوات اللبنانية سمير جعجع والكتائب سامي الجميل، إذ لم يجد جعجع أهمية لحضور لقاء على هذا المستوى، فأرسل موفداً ليمثّله في الحوار هو النائب بيار بو عاصي الذي يبرع في صبّ الزيت على نار الخلافات. وقد أصرّ أمس على رفض أي حوار وضرورة الخروج ببيان تأنيبي ضد حزب الله والدعوة إلى دقّ النفير لسحب سلاحه. وبو عاصي هنا لا يمثّل نفسه، بل يعكس نهج معراب برفض كل شيء وأيّ حوار، لضمان عدم الوصول إلى اتفاق بين الأفرقاء من دون رعاية خارجية. والواضح أن أجندة جعجع ورعاته حالت دون حضوره أمس، طالما أن قرع طبول الحرب هو المطلوب الآن، كما يأتي في سياق رفضه كل المبادرات ومحاولات الحوار على مدى الأعوام الماضية: الحوار الوطني، الحوار المسيحي – المسيحي، الحوار المسيحي – الإسلامي، دعوة بكركي والفاتيكان للقاء جامع، دعوة بارولين لجمع القيادات السياسية المارونية الأربعة لفرض ورقة مشتركة حول مطالب المسيحيين في ما خصّ رئاسة الجمهورية ووضع خارطة طريق لحماية الوجود المسيحي في لبنان، وما يمكن للفاتيكان أن يقدّمه من مساعدات في هذا الإطار. كذلك نجح جعجع مرة جديدة في إظهار الجميل ملحقاً به. فبعدما كان الأخير عازماً على تلبية الدعوة، اعتذر عن عدم الحضور وأوفد ابن عمه النائب نديم الجميل ممثّلاً له. وهي ليست المرة الأولى التي يبدّل فيها فتى الكتائب قراره نتيجة رغبته بالمزايدة على جعجع، وفي كل مرة كان ينتهي الأمر باستغلال رئيس القوات ضعف الجميل وإثبات قيادة معراب للمعارضة.
نجح جعجع مرة جديدة في إظهار ضعف الجميل وجعله ملحقاً به
وفي مقابل الغياب القواتي والكتائبي، حضر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية المتهمان بتعطيل الحوار والحلول. وجمعت الرجلين خلوةٌ تحدّثا فيها عن المخاطر الإسرائيلية وأهمية زيارة بارولين والدعم الفاتيكاني للبنان. فيما تعمّد بارولين في ختام اللقاء القول إن «عدم حصول حوار وتفاهم بين المسيحيين انتحار لهم وللبنان». وتمحور كلام بارولين حول «هاجس أساسي» هو الخوف على وجود المسيحيين والنقاش في آلية تضمن بقاءهم في أرضهم والحفاظ على الوحدة الوطنية انطلاقاً من موقف الفاتيكان.
وحضر لقاء بكركي مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز سامي أبو المنى، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ علي قدور إلى جانب بطاركة الروم الكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك وممثّلين عن بطريرك السريان الأرثوذكس والروم الأرثوذكس. كما حضر السفير البابوي المونسينيور باولو بورجيا والنائب الرسولي للاتين ورئيس طائفة اللاتين وعدد من المطارنة.