Site icon IMLebanon

لقاءات بكركي ومار سركيس

 

في رسالةٍ بعثَ بها جبران خليل جبران إلى الأديبة اللبنانية «مَيْ زيادة» جاء فيها:
«في 26 شباط 1924 كان خلافٌ بين إهدن وبشرّي، ولقد زال هذا الخلاف بعدما دعَتْ جمعيةُ الشبيبة البشرَّاوية، زميلتَها جمعيَّةَ الشبيبية الإهدنيّة إلى وليمةٍ في مار سركيس في بشرّي.. ثمَّ دعَت الشبيبةُ الإهدنيّةُ الشبيبةَ البشرَّاوية إلى وليمةٍ في مار سركيس في إهدن، فبدا أنّ الخصام وكأنّهُ بسبب «المار سركيسَيْن…(1)»

ما رأيُ غبطة البطريرك بشارة الراعي لو راح يعالج الخلاف الماروني – الماروني بدعوة المتخاصمين إلى وليمةٍ في كلِّ من مار سركيس بشري، ومار سركيس إهدن، ما دام الخصام وكأنّه بسبب القدّيسَيْن.
أليس أنّ: «الراعي الصالح متى أخْرجَ خرافَـهُ يذهبُ أمامها، والخرافُ تَتْبعـهُ لأنها تعرف صوتَـهُ..؟(2)»
لماذا، لا تتْبعُ الخرافُ الراعي، ولماذا لا تعرفُ صوتَـهُ، ولماذا تتفرَّقُ الغنمُ ليكون الذئبُ راعيها…؟
الخلافات في المسيحيّة كانت منذ نشوئها، ويـوم راح التلاميذ يتنافسون على المقام الأول وصدارة الوجاهات، حسَمها المسيح بالقول: مَـنْ أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكنْ لكم خادماً.(3)»
وهكذا كان بين الرسولين بطرس وبولس إختلافٌ بلغَ أحياناً حـدّاً من الشدَّة، ولكنّه كان على طريق التبشير، لا على طريق «بعبدا».
ما دامت بعبدا، أصبحت شبيهةً بجزيرةٍ لنَفْـيِ الرؤساء لا موقعاً لحكم الرؤساء، كمثل ما كانت جزيرة «ألبا» في البحر المتوسط مكاناً لنَفْيِ نابوليون، وجزيرة القديسة «هيلانه» في البحر الأطلسي مكاناً لنفْيِهِ الثاني، فلستُ أدري ما إذا كانت هناك جزيرةٌ في البحر الأحمر لنفْيِ الإستحقاق الرئاسي اللبناني.
هذا النوع من اللقاءات المارونية المبتورة تحت قبّـة بكركي، لا يوحِّدُ صفّاً، ولا يؤكّد حقاً، ولا يحقّـق هدفاً، إلاّ إذا كان هناك إطارٌ ماروني شامل، راجحُ التمثيل، متعدّدُ الطاقات والفاعليات، تضطرّ الأحزاب المارونية أنْ تكيّف معه نفسها، وإلاّ عزَلتْ نفسها.

لا يكفي.. أنْ يطرح لقاءُ بكركي ورقـةً يطالب بها: «بانتخاب رئيس والتأكيد على الشرعية، وبناء دولة مستقلّة، والتمسّك بالمناصفة، ومعالجة أزمـة النازحين، وإعادة وجـه لبنان الحضاري، وصـونِ علاقته بالعالمَيْـنِ العربي والدولي».
هكذا … كأنّكَ تقـرأ فصلاً من رسائل الرسل بهدف الهداية..
أمّا، كيف وبمَـنْ وبأيّ منهجيّـةٍ وأسلوبٍ وطاقة ضاغطة…؟ فالجواب يبقى غامضاً…؟
إلى مَـنْ توجّهُ ورقـةُ بكركي هذه الوصايا…؟
إلى أيِّ دولـةٍ، أيِّ سلطةٍ، أيّ حكومةٍ، أيّ برلمان.. إلى أيّ مندوبٍ من ممثّلي الدول الخمس…؟
إذا، لم يكنْ وراء هذه المطالِب، مُطالبٌ يتمتّع بثقـلٍ شعبي وتأثير معنوي ضاغط… إذاً، تفضلوا وصلّوا بالخمسةِ رحمةً عليها جميعاً.
كنتُ، ولا أزال أتمنَّى لو أنّ غبطة البطريرك الراعي يتولّى ما تـمَّ الإتفاق عليه، بيني وبينهُ بما يحقّق هذا الثقل الشعبي والمعنوي في هيكليِّة واسعة جامعة، مسموعةِ الصوت، مرموقةِ الجانب، تؤكّد حقَّها المرتعش، وتحصّنُ نفسها ضدّ شتَّى وسائل الإستهداف.
أُذكّـر مـرةً بعد، بمذكّرات الأباتي بولس نعمان: «أنّ فؤاد افرام البستاني، قال للرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل في الجبهة اللبنانية إنَّ الشعب الماروني كان دائماً أهـمّ من قياداته…»
وهذا يعني: إنْ لـمْ يكُنْ هناك قيادةٌ مهمّة وشعبٌ مهمّ، فما لنا إلاّ أنْ نتبادل إقامة الولائم في مار سركيس.