حرّكت قضيّة اغتيال منسّق «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان الأسئلة عن مصير الدولة في ظل الفوضى الحاصلة. وصوّب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي السهام على عدم انتخاب رئيس للجمهورية وشرعنة حال الفلتان. ورغم الخطر الذي كان يُحدق بالبلاد والخوف من اندلاع حرب أهلية، ليس هناك في الأفق ما يدلّ على قرب الانتهاء من أزمة الشغور الرئاسي، والانصراف إلى بناء الدولة.
لا يمكن فصل ملف لبنان عن حرب غزة وتطوّرات المنطقة، وهذا ما يؤكّده كل من يمارس الشأن السياسي. وأمام هذه العوامل يأتي التوتّر في الداخل قبل اغتيال سليمان وبعده وعدم توصّل الأفرقاء إلى نقاط التقاء ليرفع التشاؤم المحيط بالاستحقاق الرئاسي. وصار اللبناني في خانة المتفرّج على المبادرات التي تحصل من دون الوصول إلى الهدف المنشود وهو انتخاب رئيس للجمهورية، وفي السياق، لم توصل مبادرات واجتماعات كلّ من اللجنة الخُماسية وبكركي وحراك «الإعتدال الوطني» إلى الهدف المنشود.
وتؤكّد المعطيات استمرار البطريرك الراعي في مساعيه الهادفة إلى انتخاب رئيس، وكان اللقاء أمس مع رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية في هذا السياق، حيث طالبه البطريرك، بما أنه مرشح للرئاسة، بالنزول الى مجلس النواب واعتماد اللعبة الديموقراطية، وإذا فاز فستكون بكركي أول المهنئين، لكنّ مساعي البطريرك مع فرنجية لم تصل الى وعد من فرنجية بعدم تعطيل النصاب، بل أكّد تمسّكه بالترشيح حتى النهاية، وأنه يتبع كتلاً تدعمه ولا يمكنه التصرّف بلا مراجعتها.
ومن يتابع حراك بكركي، يكتشف صعوبة الوصول إلى نتيجة، خصوصاً بعد نتائج لقاء فرنجية. وإذا كان الهدف من الاجتماعات التي تناقش وثيقة بكركي هو تأمين أرضية لاتفاق مسيحي على مرشح أو اسم، فهذا الإجماع تحقّق لحظة تقاطع المعارضة و»التيار الوطني الحرّ» على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، حيث وقف نحو 80 في المئة من النواب المسيحيين في صف أزعور، لكن قوة «الثنائي الشيعي» التعطيلية منعت المسيحيين والمعارضة من إيصال أزعور، وكذلك إصرار فرنجية المدعوم من «الثنائي» يؤجّل البحث في الخيار الثالث.
وإذا كانت بكركي تتابع اجتماعاتها وتحاول تطويق ذيول اغتيال منسّق «القوات»، فقد دخلت جولة السفراء الخمسة في دائرة المراوحة، ولم تعد أكثر من إدارة مشاورات والتقاط صورة، وهذا ما ظهر خلال اللقاءات الأخيرة. وغاب الزخم عن الاستحقاق الرئاسي. ومع الدخول في التفاصيل يتبيّن تأييد «اللجنة الخُماسية» للخيار الثالث، لكن من دون دخولها في الأسماء التي يمكن أن تستحوذ على ثقة الأغلبية، وبالتالي بات هذا الحراك في دائرة المراوحة التي لم توصل الى أي نتيجة.
وكانت كتلة «الاعتدال الوطني» أوّل المتحرّكين على الخط الرئاسي، وقد حقّقت خروقاً مهمة، لكنها اصطدمت بالحائط المسدود، فقد ضرب «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه برّي جوهرها الذي يؤكد إجراء مشاورات لمدة يوم أو يومين، وإذا لم يتمّ الاتفاق على اسم واحد يذهب الجميع إلى دورات متتالية من دون تعطيل النصاب، وتأتي الأسماء من ضمن الخيار الثالث.
نسف «الثنائي الشيعي» جوهر المبادرة باشتراط «حزب الله» الحوار برئاسة الرئيس نبيه بري للاتفاق على مرشح واحد، وعدم تعهّد «الثنائي الشيعي» بتأمين النصاب، وبالتالي لم تعد مبادرة «الاعتدال» قادرة على الإيفاء بالغرض الذي قامت من أجله ودخلت مرحلة المراوحة رغم طلب «الخماسية» الاستمرار فيها، لأن جوهرها نُسف، كذلك لن تسير «القوات» والحلفاء و»الاعتدال» في حوار برئاسة برّي.
وعلى الرغم من وجود دعم سعودي وخارجي لـ»الإعتدال»، إلّا أنّ الخارج يؤكّد انتظار تطوّرات غزة وأحداث المنطقة ليُبنى على الشيء مقتضاه، لذلك يمكن القول إن ملف الرئاسة دخل دائرة المراوحة. ويدخل الفراغ مرحلة العام ونصف العام ما يؤشّر على استمراره طويلاً بعد تأجيل كل الاستحقاقات. ويتمّ التحضير للتمديد للمجالس البلدية والمخاتير، ما يدلّ على عدم إعطاء قوى السلطة الأولوية للاستحقاقات الداخلية.
ويرتبط ملف رئاسة الجمهورية في لبنان بشكل كبير بما يحصل في المنطقة، لذلك لا يمكن لـ»الثنائي الشيعي» حسم موقفه الرئاسي من دون معرفة اتجاه الصراع في المنطقة والحصول على ضوء أخضر إيراني، فطهران ترى لبنان ورقة أساسية من أوراقها وهي لن تهمل ملف الرئاسة أو تخرجه من «البازار» مع الأميركيين وسط غياب الضغط الفعلي من الخارج على طهران لتحرير ملف الرئاسة.