تتصدر بكركي واجهة الاهتمام الداخلي، بعد المواقف الحاسمة التي أطلقها البطريرك بشارة الراعي السبت الماضي أمام عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين جاؤوا من جميع المناطق ليشهدوا لرأس الكنيسة المارونية بالحق في دعوته من أجل إخراج لبنان من مأزقه، من خلال مطالبته بعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، وهو مطلب يتوافق مع رغبة القسم الأكبر من اللبنانيين التواقين للخروج من هذه المأساة التي يعيشها لبنان، في ظل وجود طبقة سياسية أثبتت فشلها وعجزها عن القيام بأدنى واجباتها، أمام شعبها الذي يرزح تحت وطأة أعباء اجتماعية وحياتية، ما عاد له قدرة على تحملها.
وتأتي أهمية الدعوة البطريركية، بعدما وصلت الأمور على الصعيد الداخلي إلى نقطة اللاعودة، ومع إخفاق القيادات السياسية في القيام بما هو مطلوب منها على صعيد معالجة الملفات الداخلية، وفي مقدمها عملية تأليف الحكومة التي وصلت إلى طريق مسدود، جراء الشروط والشروط المضادة التي وضعت الرئيس المكلف سعد الحريري أمام الطريق المسدود، وجعلته تالياً غير قادر على إنجاز مهمته التي دخلت شهرها الخامس، دون أن تلوح في الأفق أي بادرة أمل بإمكانية تجاوز المأزق، بما يبشر بتصاعد الدخان الأبيض في وقت قريب.
وتحرص الأوساط القريبة من بكركي، على التأكيد لـ«اللواء»، أن «دعوة البطريرك الراعي لعقد مؤتمر دولي ليست موجهة ضد أحد، وليس الغاية منها الاستقواء بالخارج ضد أي فريق، بقدر ما أن «سيد» الصرح شعر بعمق الأزمة التي ترخي بثقلها على البلد، وما خلفته من تداعيات لا يمكن الاستهانة بنتائجها، فكانت دعوته الأمم المتحدة من أجل مساعدة لبنان في عقد مثل هكذا مؤتمر، بهدف العمل على التخفيف قدر المستطاع من فداحة الخسائر الناجمة عن غياب المؤسسات، واستقالة المسؤولين من واجباتهم تجاه شعبهم». وقد أيقن البطريرك كما تقول الأوساط، أن «لا مفر من الدعوة للمؤتمر الدولي الذي يشكل مخرجاً للبنان مما يتخبط فيه من أزمات لا قدرة له على تحملها، دون مساعدة الأشقاء والأصدقاء».
وتسأل الأوساط، «هل هناك مخارج أخرى لكي يتجاوز لبنان ما يعانيه من أزمات؟»، مشددة على أن «حالة الانهيار الذي بلغ مستويات مخيفة على مستوى المؤسسات، وانعدام الإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتق من بيدهم الحل والربط، كلها عوامل دفعت البطريرك إلى التحرك قبل غرق المركب بمن فيه، انطلاقاً من الدور الوطني الذي تقوم به بكركي، إلى جانب سائر المرجعيات الروحية التي ينبغي أن تتفهم الدعوة البطريركية للإنقاذ، والعمل من أجل تصويب المسيرة، وتالياً وقف الانقلاب الزاحف باتجاه المؤسسات والإدارات»، ومعربة عن اعتقادها أنّ «هناك رأياً عاماً محلياً قوياً، إلى جانب الدعوة البطريركية التي تعتبر جسر عبور إلى ضفة السلامة، مع انعدام وسائل الإنقاذ الأخرى».
وتجزم الأوساط، أن «البطريركية المارونية لا تريد من خلال طرحها عقد مؤتمر دولي، استفزاز أي فريق لبناني، لأن الجميع في مركب واحد، وبالتالي فإن هناك مصلحة لجميع اللبنانيين في الاستفادة من النتائج التي قد تتمخض عن هذا المؤتمر في المستقبل، في ظل استعداد عربي ودولي لمساعدة لبنان، في حال تشكلت حكومة في وقت قريب»، خاصة وأن الرئيس الحريري، وكما يقول مقربون منه، لـ»اللواء»، «لمس استعداداً خارجياً لمساعدة لبنان، بعد تشكيل حكومة اختصاصيين موثوقة قادرة على الاستجابة لمتطلبات الدول المانحة، وتحديداً في ما يتصل بالعملية الإصلاحية وفق الورقة الفرنسية التي يلتزمها الرئيس المكلف».