انعقدت في الأول من آب 2006 قمّة روحية مسيحية ـ إسلامية برئاسة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وشدّدت في بيانها الختامي الطويل على ضرورة وقف الغزو الإسرائيلي للجنوب وبسط الدولة اللبنانية سيطرتها على الوطن… وغيرها من الشعارات التي ما زالت الحكومات المتعاقبة تردّدها في كافة بياناتها…
يومها، دعا ممثلو الطوائف اللبنانية المجتمع الدولي الى العمل لوقف العدوان الإسرائيلي، وشدّد البطريرك صفير في هذا السياق على ضرورة المحافظة على الوحدة الوطنية واحتضان النازحين ومساعدتهم إلى حين عودتهم إلى قراهم الجنوبية، ووقف إطلاق النار فوراً، وإيجاد حلّ جذري، ودعم الدولة اللبنانية في بسط سلطتها على كل أراضيها وتطبيق القرارات الدولية. فما أشبه اليوم بالأمس!
في أيلول 2024، أي بعد 18 عاماً، يُعيد التاريخ نفسه، ويتساءل المتابعون عمّا إذا كان البيان الختامي الذي سيصدر عن القمة الروحية اليوم سيكون شبيهاً بالبيان الصادر عام 2006 في القمة الروحية المسيحية- الإسلامية مع فرق مؤسف، وهو أنّ أي دولة من تلك الدول، سواء في مجلس الأمن أو من الدول العميقة، لم تلتزم بمساعدة لبنان على تنفيذ أي من بنود قمة 2006! فماذا عن قمة الغد، وهل سيتمكن البطريرك الراعي من تحقيق ما عجز على تحقيقه البطريرك صفير ورؤساء الطوائف التي أحاطت به آنذاك؟
في المعلومات، إنّ القمّة التي ستُعقد الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، جاءت بطلب من الفاتيكان التي تمنّت على البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وقبل سفره غداً إلى روما، عقد قمة روحية استثنائية وطنية جامعة، ومن الطبيعي أن يحمل الراعي معه ورقة التوصيات التي ستصدر عنها إلى المسؤولين في الكرسي الرسولي.
قمّة مسيحية- إسلامية وطنية في بكركي توحيداً للموقف اللبناني
وتحدثت مصادر بكركي المواكبة للقمة لـ«الجمهورية»، عن أهمية البيان الذي سيصدر عنها، وقالت إنّه يكمن في أنّه سيصدر عن قادة الطوائف مجتمعة، وذلك لدعم موقف سياسي موحّد مساند لموقف الحكومة، لتكتمل بذلك وحدة لبنان الذي يصبو إلى الإمساك بزمام أموره وتقرير مصيره. مرجّحة أنّ إسرائيل ستواصل عدوانها على لبنان حالياً، وتريد إجراء تغييرات، سواء في القرارات الدولية أو في إعادة رسم المنطقة.
وأكّدت مصادر بكركي أيضاً، أنّ المشاركة ستكون جامعة لكل الطوائف، حيث أكّد ممثلو كافة الطوائف حضورهم ومشاركتهم شخصياً في هذه القمة الوطنية، ومنهم: مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، وشيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى. كذلك سيشارك عدد من المطارنة ممثلين للبطاركة الذين سيتغيّبون بسبب مشاركتهم في اجتماعات السينودوس المنعقدة في روما، ومن هؤلاء بطريرك السريان الكاثوليك، وسيتمثل مجلس الأساقفة والبطاركة بشخص الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وتقول المصادر المواكبة لقمة بكركي لـ«الجمهورية»، إنّ «أهمية هذه القمة التاريخية أنّها استثنائية لأنّها وطنية وليست روحية، وهي لن تبحث في مواضيع اجتماعية وإنسانية، بل قمّة تبحث في الوضع السياسي، بعدما وجد هؤلاء أنفسهم في صلب أزمة وفي صلب انهيار داخلي عام وأمام مؤسسات متوقفة وحرب مدمّرة».
وتضيف المصادر، انّ الفاتيكان أوعز إلى الراعي بضرورة انعقاد هذا المؤتمر الجامع، وتحضير مسودة بيان للبدء في تحضير مسودة إنقاذ ينطلق البحث فيها خارجياً بعد البيان الختامي، وذلك كخطوة أولى لوقف إطلاق النار.
وتشير المصادر الى «أنّ السلطات الروحية تعلم أنّ السلطات الرسمية تعمل جاهدة لوقف الحرب الدائرة، لكنّ بكركي أدركت أيضاً أنّ السلطات الرسمية تلزمها مساندة، ومن هنا جاءت مبادرتها إلى الدعم والمساندة كجبهة إسناد ومساندة في غياب جبهات الإسناد الدولية للدولة اللبنانية». واكّدت «أنّ بكركي قلقة أيضاً وليس الشعب وحده فقط قلقاً في لبنان وعلى لبنان، ولذلك أرادت التحرّك ورفع الصوت عالياً، خصوصاً أنّها تلمّست في المرحلة الحالية أنّ لبنان متروك دولياً فعلاً».
وأضافت المصادر: «سنتوجّه إلى المجتمع الدولي بالقول إنّنا لسنا في حاجة إلى طعام وشراب، بل نريد دعماً لوقف النار وكل أشكال العودة، أي عودة الحياة الطبيعية، عودة انتظام عمل المؤسسات والإدارات والوزارات، وعودة الأهالي إلى اراضيهم، وعودة النازحين إلى قراهم. خصوصاً أنّه في الشق السياسي لم يحاول أحد من الدول المعنية حتى الساعة مساندتنا في الحل، بل تندرج المساعدات الدولية كلّها في إصدار البيانات وإرسال الدواء والغذاء، والخطير في الأمر أنّه ليس هناك من تطمينات». وتأمل المصادر المعنية بالمؤتمر: « في أن تكون هذه القمة فرصة لرفع الصوت وإحراز تقدّم في مسار الحل السياسي».
أمّا على الصعيد الداخلي، فتؤكّد المصادر «أنّ هذه القمة ستشدّد على أواصر اللحمة الداخلية، خشية من ارتدادات النزوح القسري على أبناء الوطن الواحد». وتكشف أنّ القمة ستبحث أيضاً في الهواجس الأساسية والحاجة الماسّة إلى ملء الفراغ الرئاسي، وذلك لانتظام عمل المؤسسات والحفاظ على مكانة المسيحيِّين ودورهم وترميم أواصر الوحدة الداخلية والاتحاد لمواجهة الحرب التي تشكّل خطراً على وجود لبنان».
في المعلومات، أنّ هناك لجاناً مشتركة تحضّر مسودة البيان الختامي الوطني الجامع، الذي لن يطرح مسائل روحية أو اجتماعية أو مدنية، بل سيطرح الهواجس الوطنية والسياسية، ويُجمِع على مقرّرات الحكومة اللبنانية وعلى تطبيق المقررات الدولية، وأهمّها تفعيل وقف إطلاق النار في لبنان وتطبيق القرار 1701.
وتكشف المصادر نفسها، أنّ البطريرك الراعي الذي سيغادر غداً إلى الفاتيكان، سيشارك في أنشطة عدة أبرزها تقديس الأخوة المسابكيِّين اللبنانيِّين والموارنة، ومن الطبيعي أن يحمل معه البيان والتوصيات التي ستخرج بها القمة الوطنية، وسيبحث فيها مع المعنيِّين في الدوائر الفاتيكانية.