فيما الانظار متجهة، حدودها إلى الحرب القائمة على الحدود الجنوبية، وداخليا إلى ما سينتج عن زيارة الشيخ سعد إلى بيروت، عادت بكركي تستقطب الاهتمام، نتيجة المواقف النوعية والمتجددة لسيدها من جهة، والرغبة الداخلية المتزايدة في الحرص على عدم “زعل” الكنيسة، مع ما قد يكون لذلك من ارتدادات سلبية على مستوى الملفات ككل، حيث بدا واضحا ان الصرح البطريركي غير راض عن المسار العام للامور، خصوصا لجهة التعامل مع “الشغور” المسيحي في السلطة والادارة، حيث ثمة قناعة لدى غالبية المطارنة الموارنة، ان الاجماع المسيحي المحقق حتى الساعة بحده الادنى، لم ينجح سوى في منع وصول رئيس الى بعبدا من دون “غطاء” مسيحي، الا انه في المقابل وعلى اهمية ذلك، ترك الكثير من التداعيات السلبية.
مصادر متابعة، اشارت الى ان البطريرك الماروني “غير مرتاح” لإدارة تحالف رئيس حكومة تصريف الاعمال و”الثنائي الشيعي” للملفات الداخلية والخارجية، نتيجة المعطيات التي ترده من الخارج والداخل، مرر اكثر من رسالة، سواء في عظته بمناسبة عيد شفيع الطائفة، وأن في وعظة الأحد، التي جاءت مكملة للخط الذي اختارته بكركي لنفسها منذ “ثورة ١٧ تشرين”، حامية لمجد لبنان الذي اعطي لها.
وتتابع المصادر بان ما يجري اليوم لا يصب في خانة المصلحة المسيحية العليا على المدى الطويل، ففي المعركة المفتوحة لايصال رئيس الى بعبدا، لا يمكن لاي كان التنبؤ بمصيرها حتى الساعة، يفقد المسيحيون مراكز اساسية شكلت العمود الفقري لوجودهم في الدولة، من الشغور في رئاسة الجمهورية، الى “الفراغ” المتحكم بحاكمية مصرف لبنان، رغم نجاحها بتحقيق خرق في معركة قيادة الجيش، ما كان ليكون لولا مروحة التأييد الداخلية والخارجية له.
فايا يكن المعلن او “المخبى” من مواقف البطريرك، والاتصالات التي قيل انه اجراها بالقيادات المعنية، والتي كان سقفها عاليا لا قدرة لاحد على تحمّلها وتحمل تداعياتها، فان مصادر متابعة رأت ان عظتي الراعي دلتا على أن الأجواء في بكركي “محقونة”، وقدمتا اكثر من مؤشر عن اصطفاف البطريرك تجاه قضايا وملفات الساعة، وسط هذه المعمعة الداخلية والخارجية القائمة.
واذ رأت المصادر بان بكركي تدرك جيدا ان اصل العلة هو في القيادات المسيحية العاجزة عن توحيد مواقفها وتاليها عن مصالحها الشخصية، لوقف النزف الحاصل، يبقى الأساس أن يتصرف المعنيون بما يؤكد الحرص على الشراكة، والتعامل مع الاستحقاق الرئاسي المفتوح، على انه لبناني سيادي أولاً وأخيراً، ومفتاح لعودة الحقوق مع شكر الدول المهتمة، الاّ ان المسؤولية الأولى تقع على مجلس النواب اللبناني ومكوناته السياسية، للإسراع في انتخاب رئيس إصلاحي يحتاج اليه لبنان في هذه المرحلة، الى جانب حكومة تلتزم الإصلاح وإعادة الحقوق ومجلس نيابي يتعهّد بالقيام بما عليه.
واعتبرت المصادر ان الاخطر والذي يقلق الاساقفة، هو ان ثمة خطة واضحة بدأت ملامحها تتضح، هدفها ضرب المسيحيين في الدولة، بعدما كانت استعيدت بعض الحقوق وخف الاحباط الذي ولدته احداث بداية التسعينات، وما لحق بالقيادات المسيحية يومذاك، معربة عن القلق من هذا المخطط ونتائجه التي ستؤدي في النهاية الى تغيير هوية ووظيفة لبنان، الذي قال عنه البابا القديس بولس الثاني بانه “وطن الرسالة”.
وكشفت المصادر ان ما حصل خلال الايام الماضية لم يكن بريئا، وانه جزء من مشهد لم تكتمل صورته وملامحه بعد، ربما قد يستدل عنه مما ورد بين سطور كلام البطريرك الماروني، مع ادراك بكركي جيدا ورغم سقفها العالي، ان الوقت لم يحن لانتخاب رئيس في اللحظة الحالية رغم الهجوم المسيحي المضاد، فهذا لن يغير في الواقع شيئا في ظل تبدل المشهد في المنطقة وعلى الجبهة الجنوبية. من هنا ربما تفضل بكركي عودة الرئيس سعد الحريري إلى السراي في هذه الظروف، نتيجة للعلاقة التي جمعته بالصريح والتي قادته إلى زيارته في اكثر من محطة، وحتى الوقوف على خاطر البطريرك، خلافا لما يحصل اليوم مع الرئيس ميقاتي.
واكدت المصادر ان كلام البطريرك لا يقصد به فتح الناز تجاه الطائفة السنية، كما حاول البعض تصويره، وخلق أجواء عن وجود “عتب سني” على بكركي، انطلاقا من ان الأخيرة تقارب الأمور من منطلق وطني أيضا، وليس فقط حقوق المسيحيين، ذلك أن حكومة تصريف الاعمال الحالية أعادت اتخاذ قراراتها استنسابيا دون مراعاة اي توازنات وطنية.
وختمت المصادر بان الجهة التي تتكل عليها بكركي والتي جعلتها “رضعانة حليب سباع”، هي انها اولا وقبل كل شيء تطالب بما هو مرتبط بالحقوق الدنيا للانسان وكرامته، وثانيا ان البطريركية معنية “بتعلية” الصوت ليسمع العالم اجمع، خصوصا ان الصرح “ام الصبي” في ما خص قيام لبنان، وعليه بالتأكيد لا تنكر بكركي علاقاتها بالفاتيكان وبدول الغرب وبصداقاتها العربية، التي تشكل رافعة طبيعية ودعما معنويا لطروحاتها.