إنتهت جلسات الحوار الماراتونية التي انعقدت على مدى ثلاثة أيام متتالية، من دون أن تخرج بنتيجة عملية أو تحلّ الأزمات الضاربة في عمق الدستور اللبناني والنظام.
سَيطرت الواقعيّة على كلّ من سُئل عن الحوار قبل انطلاقته، والآمال التي كانت معقودة على نجاحه تدنّت بسبب عدم تغيّر أيّ معطى داخلي أو خارجي.
فبالنسبة الى رئاسة الجمهورية، يعلم القاصي والداني أنها تُصنع في الخارج، أمّا قانون الانتخاب فهو جزء لا يتجزأ من الأزمة السياسية، خصوصاً أنّ هناك قوى سياسية تطالب ليلاً ونهاراً باحترام اتفاق «الطائف»، وعندما يصل الأمر الى تطبيق المناصفة التي تعتبر بنداً أساسياً، تبدأ بالتراجع.
لم تعلّق البطريركيّة المارونية آمالاً كبيرة على الحوار، وفي تعليقها الأول بعد انتهاء الجلسات الثلاث، تُبدي أسفها لما توصّل اليه، ما يُنذر باستمرار الأزمة.
وتقول مصادر بكركي لـ«الجمهورية» إنّ المكان الوحيد والرسمي والشرعي لحلّ أزمتنا الدستورية والسياسية هو مجلس النواب والمؤسسات، وكلّ شيء خارج هذا الإطار لن يأتي بنتيجة، مع تقديرنا للجهود الخاصة التي يبذلها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في محاولة لإيجاد حلّ، بعدما استفحلت الأزمات وباتت تُهدّد الكيان.
وترى المصادر أنّ أحد أهمّ أسباب فشل الحوار هو غياب الثقة، فهي مفقودة بين المكونات السياسية، كما أنّ ثقة اللبنانيين بالطبقة السياسية مفقودة أيضاً بسبب عجزها حتى الساعة عن انتخاب رئيس للجمهورية، داعية النواب الى النزول الى المجلس والقيام بدورهم وعدم تضييع الوقت.
الموضوع الجديد الذي مَيّز الحوار كان استحضار بند مجلس الشيوخ وطرحه على النقاش، من هنا تُعلّق بكركي على هذا الموضوع قائلة: «قد يكون من المبكر إبداء الرأي في هذا الاقتراح، لكنّ الوضع يُشبه الصيّاد الذي يلاحق «العصفور عَا الشجره بَس بيقوّص عَلى شَجره تانيه»، لأنّ الموضوع الجوهري يبقى انتخاب رئيس وما عدا ذلك يحرف القضية عن مسارها الأساس».
وتسأل المصادر: الإصلاحات ضرورية ضمن ما نَصّ عليه «الطائف»، لكن هل طُبّق هذا الإتفاق؟ مشيرة الى أنّ «الكنيسة المارونية تطالب دائماً بالاصلاحات، لكن هناك قضايا كيانية تُهدّد البلد، لذلك يجب المسارعة الى حلّها وعدم الدخول في جدل حول مسائل يصعب تحقيقها في الوقت الراهن».
وتدعو بكركي الى عدم تخويف المسيحيين وتهديدهم بالمؤتمر التأسيسي، لأنهم لا يخافون أساساً، معتبرة أنّ طرح المؤتمر التأسيسي هو فزّاعة لن تُرهبنا، فالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أعلن رفضه هذا المؤتمر والمثالثة، لذلك لن يمرّ أيّ شيء من دون موافقة المسيحيين.
عام 2005، وقف البطريرك مار نصرالله بطرس صفير وقال: «الطائف أعطانا 64 نائباً ونريد الـ64»، وبعد 11 عاماً على خطاب البطريرك الشهير، لم يتغيّر شيء في المشهد، إذ إنّ حقوق المسيحيين النيابية لم تصلهم. وفي ظلّ عدم قدرة المتحاورين على الإتفاق على قانون عادل، تلاحظ بكركي أنّ هناك نية بعدم إقراره وقد دخلنا في جدل عقيم، فما الفائدة من القول إننا نتمسّك بالمناصفة إذا لم تطبّق فعلياً على الأرض؟
فالجميع يقولون إنّهم مع أي قانون يؤمّن صحة التمثيل ويُرضي المسيحيين، وبعدما شكّلنا لجاناً في بكركي إقترحت قوانين، نرى مماطلة غير مقبولة وتهرّباً من الوعود التي قطعت وسط تزايد المخاوف من العودة الى قانون «الستين».
مع تحديد 5 أيلول المقبل موعداً جديداً للحوار، يبدو أنّ كل الحديث عن ارتفاع حظوظ مرشّح أو تدنّي حظوظ آخر هو في غير مكانه، إذ إنّ بكركي ما زالت ترفض الدخول في لعبة الاسماء، تاركة الموضوع للقوى السياسية والنواب الذين لا يقوم بعضهم بدوره، وهي باتت مع أي مرشح يتربّع على عرش بعبدا ويُنهي الفراغ.