تحرص الدوائر القريبة من بكركي على وضع النقاط على الحروف في موضوع قانون الانتخاب ، فلا اتفاق مع رئيس الجمهورية على السير او الترويج لقانون الستين اولاً، وان كلام البطريرك قد تم فهمه في غير اطاره الصحيح . فالمؤكد ان كل من بكركي ورئاسة الجمهورية تريدان الانتخابات النيابية وترفضان التمديد بكل اشكاله لكنهما لم يتفقا في اي خلوة من خلواتهما او عبر الاتصالات او اي قنوات سرية على السير بالستين ، لكن هذا لا يعني في حال سدت كل الطرق ان العودة الى الستين غير مطروحة على اعتبار ان الفراغ او التمديد الثالث مرفوضان . وتؤكد اوساط سياسية ان بكركي لا تريد الستين لكن التلويح به جاء على خلفية رفض التمديد للمجلس النيابي واحراجاً للقوى السياسية التي تتلطى خلف اصبعها في الموضوع الانتخابي وللمتلاعبين من تحت الطاولة بالحقائق في ما خص القانون الانتخابي ، فموقف بكركي من خارج السياق يعني ان الستين الذي يرفضه المسيحيون هو أسوأ الحلول ، وافضل من التمديد او دخول البلاد في الفراغ ولعل ما قاله الراعي على المكشوف هو ما يخفيه الآخرون والقوى السياسية التي تتحدث بما لا تضمر وتسعى اليه، في حين يتمسك كل فريق بالقانون الذي يلائم مصالحه الانتخابية. فالثنائية المسيحية تريد القانون الذي يعيد اليها تمثيلها المسيحي ويجعلها قادرة على تحقيق تسونامي انتخابي، والثنائية الشيعية تطالب بالنسبية الكاملة وهي قادرة على تحقيق الاجتياح في اي قانون انتخابي فيما «القطبة المخفية» لدى المستقبل والاشتراكي والمرده والكتائب هي «الستين» لا غيره خصوصاً ان الثنائية المسيحية تهدد وجود المردة والكتائب والمستقلين، وما يجعل الستين امراَ واقعاً لا مفر منه هو ان كل القوانين والطروحات الانتخابية ترضي طرفاً وتلغي طرفاً آخر فيما الستين ابغض الشرور، فالقوات اللبنانية لم ترتح الى القوانين او الصيغ التي فصلها حليفها المسيحي ، وهي اذ تطمئن الى تفاهمها مع التيار الوطني الحر فهي مدركة ان مصيرها على المحك في طروحات النسبي او التأهيلي او التفضيلي وان رأسها على المقصلة الانتخابية . وهي بدون شك مرتاحة الى الستين الى جانب الحليف البرتقالي ، وتدرك القوات ان النسبية هي «القبر « الذي يحفر لها لتدفن فيه مرشحيها على مستوى كل لبنان، وان التأهيلي لن يوصل مرشحيها في الدروة الثانية حيث ان اصوات الناخبين من الطوائف الاخرى ستصب لمصلحة مرشحي التيار الوطني الحر مسيحياً والتصويب على مرشحيها واستهدافهم ، وبالتالي فان الستين معدلاً يحميها خصوصاً ان مشاريع وصيغ باسيل جميعها باتت مرفوضة. من هنا تقول الاوساط ان المسيحيين الذين رفضوا الستين وخاضوا معركة إلغائه ومحاولة إقصائه يجدون اليوم انفسهم امام حائط مسدود ومقفل بإحكام، فرئيس الجمهورية ليس في صدد التراجع عن قرار خوض الانتخابات وفق قانون جديد ، والقوى المسيحية المتمثلة بالتيار الوطني الحر والقوات وبكركي تقف امام خيار واحد وهو القبول بالستين بعد سقوط كل المحاولات والصيغ مع تعديلات اضافية عليه لحماية تفاهم معراب والثنائية المسيحية وتحرير الصوت المسيحي في بعض المناطق، في حين ان المردة والكتائب يريدان ضمناً هذا القانون ليواجها تسونامي القوات والتيار، فالستين مع رتوشات تجميلية يبقى افضل الحلول للأزمة الراهنة ولكل المكونات السياسية ولطرح التفضيل بين خياري التمديد او الفراغ اللذين يلوحان في الأفق، من جهة ثانية فان رئيس الجمهورية يرفض التمديد والفراغ ولهذا استخدم صلاحياته الدستورية، وحفظ ماء وجه العهد يقتضي اجراء انتخابات مهما كان الثمن .
وعليه ليس سراً ان الماكينات الانتخابية باتت في جهوزية للانتخابات وهي تتحضر كما يقول العارفون لانتخابات وفق الستين حيث ان المأزق الحالي واصرار الرئيس يوحي للمعنيين بالانتخابات ان العودة الى الستين حتمية ، وما يجعل الكل مقتنعين بأن الستين هو الخيار المطروح حالياً بقوة هو ان رئيس الجمهورية لا يرغب بالعودة الى سيناريو جلسة 13 نيسان واذ تدرك كل الاطراف ان المواجهة مع رئيس الجمهورية ليست في محلها وموجعة وان رئيس الجمهورية ليس في صدد التراجع وهو متمسك بخياراته ، ومصر من جهة اخرى على علاقة استراتيجية وداعمة لحزب الله في مواجهة الحرب الدولية التي تشن على الحزب في حين ان حزب الله يرفض ان تتأذى او تتشظى علاقته برئيس الجمهورية بشظايا الانتخابات. وعليه رغم التسريبات المسيحية من بكركي او بعبدا او القوات والتيار الوطني الحر برفض الستين فان هذا القانون عادت حظوظه الى الارتفاع وهو بدون شك القانون الذي لا مفر منه، فالنسبية الكاملة التي سار فيها المسيحيون وقبلوها في اجتماعات بكركي لم تعد ظروفها هي نفسها اليوم بعد انتفاء فريقي 8 و14 آذار والبدل الذي حصل على الساحة السياسية، فعام 2008 كان المشهد السياسي مختلفاً ولم يكن مسيحيو 8 آذار قادرون على تحقيق اختراقات في بعض المناطق حالهم حال القوات والكتائب في مناطق اخرى ، كما ان العودة الى النسبية الكاملة تؤثر في الوجود المسيحي في المناطق المختلطة بسبب عددية الاصوات طائفياً . من هذا المنطلق تقول الاوساط ان كلمة السر المسيحية اليوم هي الستين معدلاً مع «رتوشات» تجميلية على انه ابغض الحلول والشرور الانتخابية .