إختلفت التفسيرات كثيراً في الزيارة التي قام بها النائب وليد جنبلاط، أمس، الى بكركي، وذهب الكثيرون الى إستنتاجات بعضها لا يركب على قوس قزح. ولكن «الإجتهادات» كلها توقفت عند نقطة مركزية في ما أدلى به سيّد المختارة اثر اللقاء، ألا وهي كلمة «التسوية».
وفي التقدير وأيضاً في ما تيسر من معلومات أولية فإن جنبلاط توجه الى بكركي مستشفاً رأي غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في «التسوية».
والتسوية، هنا، ليست كلاماً في العموميات، كما أنها ليست مصطلحاً غير محدّد، إنما هي «التسوية» الكبرى التي يجري «الشغل الحثيث عليها» ضمن حلقة بدأت ضيقة ثم إتسعت وباتت تشكل أطرافاً عدة من فريقي 14 آذار و8 آذار. وخلاصتها، كما بات معروفاً ومردّداً ومكرّراً، وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية كمرشح «التسوية» التي تقوم على قواعد عديدة تبرز (أو تستقرىء) صورة العهد «العوني» فيما لو سارت الأمور في المسار الطبيعي الذي يرسمه الوسطاء.
هل صحيح أن جنبلاط أراد أن «يستأنس» برأي غبطة البطريرك الماروني في التسوية؟ (بداية نود أن نشير الى أن «الإستئناس» كلمة إتخذت لها أبعاداً كبيرة في القاموس السياسي اللبناني، منذ أن إستخدمها رئيس مجلس النواب السابق المرحوم كامل الأسعد… إنما كان الهدف منها في حينه الإحراج، وهذه قصة تطول… أما اليوم فالإستئناس هو للوقوف على الرأي السائد في بكركي).
وعليه فإن رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية، وايضاً رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي، أراد أن يزوّد بموقف حاسم ونهائي من غبطة البطريرك، ليُبنى على الشيء مقتضاه. والرجل وجد الإخراج المناسب للزيارة وهو إنها كانت للتمني على سيد بكركي «أن يبارك أعمال ترميم كنيسة السيدة لآل الخازن في المختارة» (من هنا يُفهم وجود النائب السابق الشيخ فريد هيكل الخازن في قسم من اللقاء).
وكان جنبلاط كبير الوضوح عندما رد على أسئلة الصحافيين المنتدبين في الصرح البطريركي فقال «ان الوفاق أهم من التفاصيل السياسية كلها… وإن التسوية من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية أهم من الأسماء».
ومع ذلك فقد كان هناك من يراهن على أنه لا يجوز الغرق في التفسيرات والإجتهادات: فالزيارة محدودة الهدف، وهي ترتبط بالهاجس الآخر لجنبلاط وهو ترسيخ المصالحة في الجبل التي عقدها مع غبطة البطريرك السابق مار نصراللّه بطرس صفير، أمدّ الله في عمره… وهو هاجس لا يتقدم عليه لدى الرجل أي هاجس آخر حتى ولو كان بمستوى إنتخاب رئيس للجمهورية.
ويصر أصحاب هذا الرأي على أخذ كلام جنبلاط، بعد اللقاء في بكركي، بحرفيته وعدم تلبيسه لبوساً آخر لا تحتمله المناسبة.
ولكن زيارة التمني للدعوة الى مناسبة لا تستغرق ساعة كاملة بين المقامات.
وهذا الإستدراك هو في محلّه… لأنّ صدر سيّد بكركي يضيق هذه الأيام بالمجاملات. إذ ليس لديه وقت لها، في وقت يرى الجمهورية تتآكل من داخل ومن خارج على حد سواء.