Site icon IMLebanon

بكركي والتيار والقوات  

 

تستحق مبادرة غبطة البطريرك مار بطرس بشارة الراعي التقدير والتثمين، وهو الذي لم يشأ أن يتمادى التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية في الخلاف الناشب بينهما والذي ينذر بعواقب وتداعيات خطرة ليس عليهما وحسب بل أيضاً على الصعيد المسيحي والصعيد الوطني عموماً.

 

نحن لا نشك لحظة في أنّ قيادتي التيار والحزب تدركان إدراكاً عميقاً الآثار المدمرة لخلافاتهما. طبعاً نحن لا ندعو الى أن يكون كل من الطرفين نسخة طبق الأصل عن الطرف الآخر. فقط إننا ندعو الى تنظيم الخلاف فلا يتعدّى حدوداً بعينها.

ولقد يصحّ التساؤل في هذا السياق عن «الأسباب الموجبة» التي تجعل إتفاقاً أو تفاهماً أو تحالفاً بين التيار وهذا الحزب أو ذاك وبين القوات وهذا الحزب أو ذاك طويل الأمد، محصناً، ثابتاً، يصحح ذاته بذاته أمام أي مشروع نكسة أو حتى نكسة، وفي الوقت ذاته سرعان ما يتحول أي إختلاف بين الوطني الحر والقوات الى خلاف فصدام فـ… هيجان في الرأي العام لدى الجانبين معاً.

لذلك ترانا إذ نثمن الدور الذي قام به صاحب الغبطة البطريرك الراعي فإننا ندعوه، بل نناشده أن يواصل مساعيه الأبوية – الوطنية بينهما، فلا يغفل عنهما لحظة واحدة.

وتعود بي الذاكرة الى الأيام السوداء بين الجانبين التي أثق تماماً بأنها لن تعود، فليس ثمة رغبة لدى أي منهما في إعادتها… في تلك المرحلة شديدة القسوة (…. ولاحقاً شديدة الوطأة بالنتائج المدمرة) قصدتُ غبطة البطريرك مار بطرس نصراللّه صفير الذي أتشرّف وأعتز بصداقته، أمدّ اللّه في عمره، وقلت له: يا سيدنا يجب أن «تعمل بكركي شيئاً»…. أنا لا أحملك أي مسؤولية في ما يجري بين الأخوة، إنما أستحلفك التدخل بكل ما تراه من حراك أو أسلوب أو وسيلة… فحدثني غبطته عن مساعيه المتواصلة والتي لم تسفر عن نتيجة واستفاض في الكلام عمّا يراه أسباباً لذلك الصراع الذي قصم ظهر المسيحيين وهجرهم من وطنهم في مختلف الأصقاع، وأسقط دورهم أو أقله أسقط الكثير منه (…) ما لا مجال لتفصيله هنا. وأنهى كلامه مكرراً السؤال: ماذا يجب في تقديرك أن أفعل؟

فأجبته بأنني لا أسمح لنفسي بأن أقول لغبطتك ما عليك أن تفعله إذ أن لك كثيراً من الخبرة والحنكة والدراية (…) وما يجعلك قادراً على إتخاذ القرار. ثم كرّر السؤال.

فقلت: اقترح على غبطتك أن تعلن على الملأ إنك في يوم كذا (متمنياً ألا يكون بعيداً) ستحمل عصاك وتتوجه الى نهر الكلب وتزيل بيدك المتاريس المتقابلة بين الجيش والقوات. وسترى أن مئات الألوف سينضمون إليك من مختلف أطياف وأنحاء لبنان داعمين، مؤيدين، مهللين، مسهمين في إزالة المتاريس. ويكون هذا مدخلاً لأعمال مماثلة في سائر مناطق المواجهة.

وأكتفي، اليوم، بذكر هذه الجزئية من ذلك الحديث الطويل… وقد أعود إليها ذات يوم، في هذه الزاوية مع رواية محاولة سيادة المطران رولان أبو جودة الجزيل الاحترام، أطال اللّه عمره، للتسوية بين غبطة البطريرك صفير ورئيس الحكومة آنذاك الجنرال ميشال عون، كما سمعتها مباشرة من سيادته.

وأود أن أختم بأنني كنت وما زلت مؤمناً بأن بكركي تقدر (مهما كانت الصعوبات) على «فرض» الوئام والسلام… وليأخذ اللّه بيد غبطة البطريرك الراعي.