Site icon IMLebanon

غضب بكركي من غضب الفاتيكان

تقف بورصة الإتصالات الرئاسيّة عند الحدود التي سيصل اليها الحوار الوطني والذي غاص في مواصفات الرئيس العتيد، من دون أن يصل إلى مرحلة الإتفاق على إسم مقبول من الجميع.

لم يكشف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، سراً، بقوله إنّ اللبنانيين سلّموا رئاسة الجمهورية الى إيران والسعودية. وقد أتى هذا الموقف في سياق الحملات التي شنّها الراعي سابقاً على الزعماء اللبنانيين وكان أعنفها منذ نحو عام بعد عودته من اوستراليا عندما اعتبر أنّ القوى السياسيّة والنواب ليسوا أسيادَ نفسهم، «وسأتحاور مع الخارج لحلّ معضلة الإنتخابات الرئاسيّة».

منذ أن بدأ الراعي سلسلة إتصالات ولقاءات مع سفراء الدول المؤثرة والفاعلة في الساحة اللبنانية، إكتشف الحقيقة المعروفة التي تتجلّى في أنّ لبنان ليس محور العالم مثلما يظنّ البعض، وأنّ العرب والغرب ليسا في وارد التدخّل في القضية اللبنانية، ليس محبّة أو رغبة في ترك القرار المستقلّ للبنانيّين، بلّ لأنهم مشغولون في الأزمات الكبرى، ولبنان تفصيل صغير وقد تراجع الإهتمام به منذ أحداث 7 أيار 2008 وإتفاق «الدوحة» وتسلّم الديموقراطيين الحكم في أميركا مع الرئيس باراك أوباما الذي أخذ قرارات فورية بالانسحاب العسكري من العراق والإنكفاء التدريجي من المنطقة، قبل أن تأتي الحرب السورية لتقلب المعادلات رأساً على عقب.

يسمع الراعي الكلام نفسه عندما يزور أيّ عاصمة، حيث يُلقى اللوم على اللبنانيين الذين لم يعرفوا حتى الساعة الإتفاق على رئيس للجمهورية، وعندما يَطلب مساعدة هذه العواصم لحلّ المسألة التي باتت مستعصية، يكون الجواب: «إتّفقوا كلبنانيين ونحن نساعدكم».

وعندما يفاتح الراعي مسؤولي الدول التي رعت تاريخياً المسيحيين في لبنان والشرق، وعلى رأسها فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، بملف الرئاسة، يسمع كلاماً قاسياً يُصيب البيت الماروني في العمق، حيث يُقال له: ماذا ينتظر الزعماء الموارنة للإتفاق على الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق.

وفي هذا السياق يُبدي الفاتيكان غضبه من العجز الماروني المستمرّ وتشبّث بعض الزعماء الموارنة بترشيحهم وعدم إفساح المجال للتوافق على ماروني يرضى عنه الجميع.

لم تستطع بكركي حتى الساعة تنفيذ أيّ خرق رئاسي أو أقلّه تقريب وجهات النظر بين الزعماء الموارنة، مع العلم أنّ بكركي لم تلعب دوراً مؤثراً في الرئاسة سابقاً، إذ كان يُنتخب الرئيس باتفاق إقليمي دولي، باستثناء تزكية الرئيس فؤاد شهاب للرئيس شارل حلو عام 1964 بغطاء دولي أيضاً، وانتخابات 1970 التي فاز فيها الرئيس سليمان فرنجية على مرشح الشهابية الياس سركيس.

اليوم تحاول بكركي التواصل مع الزعماء الموارنة، مجدَّداً، مع علمها أنّ أيّ لقاء موسّع للأقطاب الأربعة لن يوصل الى نتيجة، سوى أخذ صورة للإعلام، لأنّ التجارب السابقة أثبتت أنّ انعقاد الإجتماع لا يكفي ولا يوصل الى التوافق على إنتخاب المرشح الماروني القوي وعدم مقاطعة أيّ جلسة إنتخابية وتأمين النصاب، إذ إنّ تكتّل «التغيير والإصلاح» لم يلتزم ما اتفق عليه المجتمعون في بكركي، وقاطع الجلسات تحت حجّة التوافق على رئيس قويّ.

بعد أيام، سيُسافر الراعي مجدَّداً الى ألمانيا والمكسيك، في حين أنّ الإتصالات الداخلية وخصوصاً مع الأحزاب المسيحية يقودها شخصياً السفير البابوي غابريال كاتشيا بالتنسيق مع بكركي، لكنها لم تصل أيضاً الى أيّ نتيجة تُذكر، وهذا يُثبت أنّ البطريركية المارونية والفاتيكان لم يستطيعا المون على الزعماء الموارنة والنواب المعطّلين، لأنّ الحسابات السياسية والمصالح الشخصية والتحالفات الداخلية والإقليمية أقوى من أيّ حسابات وطنية أخرى، خصوصاً أنّ الواقعية السياسية هي التي تتحكّم باللعبة مع ما يُحيط بلبنان من تطوّرات.

فلا يستطع أيّ طرف مسيحي التخلّي عن هذه التحالفات لأنّه يصبح مجرّداً من أيّ قوة خارجية تدعمه، مع إنكفاء أوروبا عن دعم المسيحيين وتراجع تأثيرها، واستمرار دعم السعودية للسنّة وحلفائهم، وإيران للشيعة وحلفائهم.

مع تجمّع كلّ هذه العوامل، والفشل المستمرّ في إنتخاب رئيس للجمهورية، يستطيع المراقب أن يفهم غضب الراعي المتجدِّد والمنبثق أوّلاً من موقعه كبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة، وثانياً من فراغ موقع رئيس الجمهورية الماروني الوحيد في الشرق، في عهد ولايته البطريركية من دون أن يستطيع فعل شيء، يُضاف اليه ثالثاً غضب الفاتيكان على الواقع الماروني اللبناني.