تحمل بكركي في يدها في هذه الأيام «سماعة فحص النبض». فقد فرض الطرح القاضي بترشيح أحد الأقطاب الموارنة الأربعة سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، تحركاً كنسياً لجسّ نبض بقية أبناء الكنيسة من الأقطاب وغيرهم. اجتماعات على مدار الساعة في الصرح البطريركي، والطبق الأساس على مائدة مجلس المطارنة كان ترشيح «زعيم زغرتا».
خلال اجتماع مجلس المطارنة الذي ترأسه البطريرك بشارة الراعي، نالت المبادرة، بحسب أوساط المجتمعين، «الترحيب الكبير». وتشرح: «الكنيسة تنطلق في مقاربتها لهذه المبادرة على أنها أطلقت صفارة السباق الرئاسي، أي بداية للتحرك في اتجاه الانفراج. الباب فُتح مجدداً للبحث والتوافق وملء الشغور».
خلال الاجتماع، أطلع البطريرك الراعي المطارنة على أجواء لقائه المسائي مع فرنجية. تقول الأوساط: «اللقاء كان ممتازاً واطلع خلاله غبطته من فرنجية على كل الأجواء التي أطلقت ورافقت ترشيحه ورؤيته الشخصية للطرح». فرد البطريرك بموقف لا يخلو من توجيهات ونصائح رئاسية إذ قال له: «هذه خطوة إيجابية يجب البناء عليها. وإذا حصل التوافق وأصبحت رئيساً، فلا بد من استعادة ما لدينا من توجيهات نقولها لكم حول ضرورة أن يتحلى رئيس البلاد بحس وطني وانفتاح وتعاون مع كل الأفرقاء من دون استثناء، لكي يكون اللبنانيون جميعاً يداً واحدة من أجل بناء الدولة التي يحلم بها الشعب اللبناني بمختلف انتماءاته».
ويفسر كذلك إشارة فرنجية الى «العجلة وليس الاستعجال» بهدف، على ما قال للبطريرك، «وضع حد لأزمة لا يمكن أن تستفحل أكثر من ذلك».
لكن هل سيقتصر دور بكركي فقط على جس النبض المسيحي الرئاسي؟ تجيب أوساط أسقفية: «لا بد من التذكير بما قاله فرنجية نفسه عن أن المسألة ليست إيصال شخص ما بقدر ما هي السير نحو تعزيز الجمهورية وبناء الدولة». وماذا عن وضع البعض ترشيح فرنجية في خانة إحداث شرخ بين فرنجية وعون؟ تعلق: «لا عون ولا فرنجية من الأغبياء كي ينطلي عليهما مثل هذا الشرك. المسألة لا تبدو أنها فخ كي ننظر اليها من هذا المنطلق. الطرح صدر من الرئيس سعد الحريري والرجل ليس في موقع التصرف من تلقاء نفسه بل بالتشاور مع دول ومرجعيات جميعها باتت تتحسس تداعيات استمرار الشغور الرئاسي».
باشرت بكركي سريعاً في تطبيق عملية «جس النبض»، فاستقبل البطريرك بعد ظهر أمس رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل يرافقه الوزير سليم الصايغ، لينضم بعدها الى اللقاء الوزير جبران باسيل في تلاقي الصدفة والموقف. موقف «الكتائب» اختصره الجميل كالتالي: «نحن لا نتعاطى في العمل الوطني انطلاقاً من حساسيات أو علاقات أو عواطف شخصية».
أضاف الجميل: «نحن نتواصل مع فريق الوزير فرنجية تقريباً مرة كل يومين، لنرى ما إذا كان الوزير فرنجية مستعداً لأن يلاقينا إلى نصف الطريق أو لا. كنا واضحين مع الوزير فرنجية ومع أنفسنا ومع الرأي العام، لن ننتخب أي مرشح خطابه هو خطاب فريق من اللبنانيين. إذا كان الوزير فرنجية مستعداً لأن يضع جانباً صداقاته والخط السياسي الموجود فيه اليوم، ويلاقينا إلى نصف الطريق، فليس لدينا فيتو على شخصه، بل نؤمن بأن الانفتاح على بعضنا البعض هو القاعدة ونؤمن بأنه من واجباتنا أن نلتقي في نصف الطريق، ولكن لا أحد يقدر على أن يطلب من الكتائب أن تسير بمرشح خطابه السياسي مناقض لها. ولهذا السبب كما أننا نضع جانباً صداقات الوزير فرنجية في هذا الموضوع، وكما نضع جانباً الخطاب السابق للوزير فرنجية في هذا الموضوع، عليه هو أيضاً أن يضع جانباً صداقاته والخطاب السياسي الذي كان سائراً فيه لغاية اليوم، ويلاقينا في نصف الطريق، كي نستطيع التعاون وإياه، ولكن لا أحد يمكنه أن يطلب من الكتائب أن تتبنى مرشحاً يبقى خطابه السياسي كمرشح مناقض لموقف الكتائب التاريخي».
أما باسيل فقال: «نحن في تبصر عميق لأننا في مرحلة يمكن أن يكون فيها الإنسان بين الوهم والشك». وتابع: «نحن متمسكون بحريتنا في الشرق، لنختار بحرية رئيسنا ونختار بحرية قانون الانتخاب الذي على أساسه سنختار ممثلينا ونتمثل من خلاله».
وما بين «الكتائب» و «التيار» لا تبدو مهمة بكركي مفروشة بالورود، لكن الأفق على الأقل ليس مقفلاً. ففي هذا الفلك دار تصريح البطريرك من على أرض المطار لدى عودته من الخارج ليتكامل مع ما ورد في بيان المطارنة أمس: «بعد مرور ثمانية عشر شهرًا على شغور منصب رئاسة الجمهورية، تبرز فرصة جدّية لملء هذا الشغور، ما يقتضي التشاور والتعاون بين جميع الفرقاء اللبنانيين لإخراج البلاد من أزمة الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية. فالرئيس، بما أنّه رأس الدولة، كما ينّص الدستور، هو حجر الزاوية في العَمارة الوطنية بأبعادها التاريخية والمؤسّساتية. ولذلك ينبغي أن يأتي انتخابه عن تبصّر عميق في أهمية هذا الموقع ودوره الأساسي».
وفي بيانهم أيضاً، شاطر الآباء فرحة العسكريين الذين كانوا محتجزين لدى «جبهة النصرة». كما تقدموا بالتعزية من ذوي الشهداء، شاكرين جميع الذين قاموا بالوساطة وبذلوا الجهود المضنية. وتمنوا متابعة السعي لأجل الإفراج عن العسكريّين التسعة الباقين في قبضة تنظيم «داعش».
كذلك استنكر الآباء عودة مسلسل التفجيرات، وخصوصًا ما تعرّضت له ضاحية بيروت الجنوبية من استهداف للمدنيّين، فضلا عن شجبهم لمسلسل العنف الذي تشهده دول العالم، وخصوصًا ما ارتكبه الإرهاب من اعتداءات سافرة في فرنسا.
ووجه مجلس المطارنة تحية الى الجيش اللبناني والمؤسّسات الأمنيّة على سهرهم ووعيهم للأخطار المحدقة.