لا يقلل من مكانة بكركي تدخلها في ملفات ذات طابع اجتماعي واقتصادي لان من صلب عمل الكنيسة الانخراط في هموم الناس والرعايا حتى بمعزل عن اي انتماء ديني. وتبعا لذلك لا يضير بكركي ان باتت مقصدا في أزمات اجتماعية وان تمكنت من الاضطلاع بدور مؤثر في حل بعض هذه الازمات. غير ان ذلك لا يعني اسقاط الحذر الواجب من أهل بكركي وسيدها حيال شعرة تفصل بين دورها الراعي للقضايا الاجتماعية ومحظور انجرافها الى حيث لا يجب ان تتورط بعيدا بفعل ربما يكون مقصودا.
نقول ذلك ونحن لا نخال ان القيّمين على بعض الأدوار، التي تساهم فيها بكركي حاليا للمساعدة على حل ملفات اجتماعية، يفوتهم حجم الثرثرة الهائلة في شأن جر بكركي الى مزالق تختلط فيها النفعيات والمكاسب وما الى ذلك من اهوال الانحدارات اللبنانية في سائر القطاعات، فيما يفترض ان تبقى بكركي الثقل المهاب والمرصود للازمات الوطنية الكبرى على غرار ازمة الفراغ الرئاسي والخطر المحدق بكل الكيان اللبناني. وبصراحة لا نخالها من الحكمة ان تتفرغ بكركي لمحاولات جرها الى زواريب الملفات الاجتماعية بكل تشعباتها بذريعة شغور الرئاسة، والا فان منطقا كهذا قد يستدرج بكركي تباعا الى الأبعد مما يجعلها تحمل نفسها ما لا قدرة لها على تحمله، خصوصا بازاء تغطية تقصير السلطة وأهل السياسة وكل الشوائب المعروفة وغير المعروفة في الانفجارات الاجتماعية. ثم ان المحظور الآخر الذي تواجهه بكركي في هذا المسار يتصل باسباغ الطابع الديني على معالجات يفترض ان تبقى محصورة بطابعها المدني الخالص. اذ انه من الغرابة ان يصبح لكل ملف تلوين ديني او طائفي، فيما لا صلة اطلاقا لمسببات انفجار هذه الازمات بالاديان والطوائف الا من منطلق ألاعيب السياسة والنفعيات والمحاصصات الفاسدة وذهنيات، امعنت طويلا في مراكمة عوامل المحسوبيات الحزبية والشخصية والزعاماتية، على غرار ظاهرة التوظيف السياسي التي تجتاح القطاع العام ومعظم القطاعات المختلطة بين العام والخاص.
إن كان لبكركي ان تنخرط في بعض هذه الازمات، فان دورها الحقيقي يجب ان يبقى جراحيا، بمعنى كشف قصور السلطة وتحميلها التبعة الكاملة عن هذه الانفجارات، والدفع نحو تعرية الواقع المزمن المهترئ الذي يتحكم بكل مفاصل الوزارات والادارات. ولا نبالغ إن خشينا على بكركي من جرها الى مزالق التفاصيل التي تقبع فيها شياطين السياسة، ما دامت هذه المحاولات تنطوي ضمنا على تهميش الازمات الكبيرة وإغراق البلد في مساحات مأزومة اخرى، على غرار اعتصامات الحوض الرابع وكازينو لبنان، وربما تتغير غدا حدود التأزم نحو مناطق ذات تلاوين طائفية اخرى. فهل تقبل بكركي بالتحول الى غرفة للتحكم بتداعيات فشل السياسة المتمدد من بعبدا الفارغة الى سائر انحاء الجمهورية المأزومة؟