Site icon IMLebanon

حياد بكركي بين الأفرقاء المتناحرين سلبي ومطلوب منها موقف ممن يُخالف الدستور

ليس في لبنان أزمة نصوص دستورية ولا قلّة قوانين إنما أزمة نفوس مريضة وأزمة أخلاق وسوء ممارسة سياسية، فكلما أصيب مسؤولون وسياسيون بها انفجرت الخلافات حول النصوص وعدم التقيّد بالاصول والتلاعب بمواد الدستور. وكلما انعدمت الثقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو بين أعضاء الحكومة أنفسهم يقوم خلاف على كثير من المواد، في حين لا يحصل خلاف عليها عندما يكون الوفاق سائداً بين أهل السلطة والثقة متبادلة. فالمادة 24 من الدستور تصبح موضوع خلاف عند وضع قانون للانتخابات يوزّع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين ونسبياً بين المناطق. وتصبح المادة 53 موضوع خلاف أيضاً على رغم وضوحها عندما يكون بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أزمة ثقة، فيفسر البعض نص هذه المادة على مزاجه وهواه بالقول إن الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة ملزمة لكن ليس بنتائجها… في حين أن أهمية النص هي في أن هذه النتائج ملزمة وإلا فلا معنى لاجراء استشارات شكلية، اضافة الى خلاف آخر حول حق النائب في أن يترك لرئيس الجمهورية تجيير صوته لمن يشاء في الاستشارات ومن يرى خلاف ذلك لئلا يصبح رئيس الجمهورية طرفاً في الصراع السياسي على تسمية الرئيس المكلّف.

وعندما تكون الثقة مفقودة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يقوم خلاف حول البند 6 من المادة 64 يتناول وضع حدول أعمال مجلس الوزراء، وقد ناط هذا البند وضعه برئيس الحكومة “على أن يطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث”. وفسّر بعض “الغيارى” على صلاحيات رئيس الجمهورية كلمة “يطلع” بأن لرئيس الجمهورية الحق في المشاركة في وضع الجدول وليس مجرد إطلاعه عليه. ولكن عندما تكون الثقة متبادلة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فلا يكون هذا الموضوع ولا غيره سبب خلاف بينهما بل يتبادلان الرأي في المواضيع التي ينبغي إدراجها في الجدول وفي ترتيب أولوياتها وفي تحديد موعد لعقد الجلسة. وعندما تكون الثقة مفقودة بين الرئيسين يقوم خلاف على تطبيق المادة 65 من الدستور وعلى أي من المواضيع الأساسية التي يجب طرحها على التصويت وتحتاج الى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة. فعندما كان رئيس الجمهورية لا يراعي مشاعر رئيس الحكومة، كان يطرح الموضوع على التصويت فيشعر فريق بنتيجته بأنه غالب وفريق آخر بأنه مغلوب ويكون لذلك أحياناً انعكاسات سلبية على الحكومة نفسها وأحياناً على الشارع. وعندما يكون وفاق بين الرئيسين يصار الى تجنب طرح أي موضوع حساس على التصويت لتجنب حصول مثل هذا الشعور.

وبسبب الانقسام الحاد حالياً بين فريقي 8 و14 آذار، لجأ عدد من نواب 8 آذار، وتحديداً نواب “حزب الله” ونواب “تكتل التغيير والاصلاح”، الى التغيّب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لتعطيل نصابها خلافاً لما نصت عليه المواد 73 و74 و75 من الدستور، وهو ما لم يلجأ اليه النواب في الماضي على رغم انقسامهم واختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم وشدة المعارك الرئاسية التي كانوا يواجهونها لأنهم كانوا يعتبرون حضورهم واجباً وطنياً مقدساً حتى وإن لم ينص الدستور صراحة على ذلك ولم يلحظ عقوبات على من يتغيّب من دون عذر مشروع، ولأنهم لم يكونوا يفكرون بجعل الشغور في منصب الرئاسة الأولى أو الرئاسة الثانية ورقة ضغط ومساومة وابتزاز في يد أي منهم، ولأن خلو أي رئاسة من الرئاسات الثلاث يشكل خللاً فاضحاً في “الميثاق الوطني”.

ويواجه لبنان اليوم للمرة الأولى مشكلة شغور رئاسي لا أحد يعرف متى ينتهي، وتتولى حكومة لا انسجام ولا تجانس بين أعضائها صلاحيات الرئيس موقتاً وبالوكالة، وإذ بكل وزير فيها يعتبر نفسه رئيساً ويريد أن يشارك في إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء، وفي دعوة المجلس الى الانعقاد وفي طرح المواضيع، وإلا عطّل جلسات مجلس الوزراء اذا لم يناقش المجلس المشاريع التي يريدها ممثل هذا الحزب أو ذاك بعد تعطيل ما هو أخطر ألا وهي جلسات انتخاب رئيس للجمهورية.

الواقع أن بكركي تتحمل جزءاً من المسؤولية لأنه يجب أن تكون لها كلمتها الحاسمة والحازمة عندما يصبح لبنان في خطر، ولا تكتفي بالوقوف على الحياد السلبي فتساوي مثلاً بين من يواظبون على حضور جلسات انتخاب الرئيس ومن يقاطعونها، وبين مرشح يصر على الاستمرار في ترشحه وإن خربت البلاد ومرشح يعلن استعداده للانسحاب لمرشح توافقي؟!

فالمطلوب إذاً من بكركي أن تسمي المسؤولين عن تعطيل جلسات الانتخابات الرئاسية ويكون لها موقف منهم، وأن تدعو الى توضيح ما يجب توضيحه من نصوص في الدستور لتجنب الوقوع مستقبلاً في خطر التعطيل عند كل استحقاق، ولتفادي مواجهة أزمات كتلك التي يواجهها لبنان اليوم وقبل أن يموت بها.