يتأكّد اللبنانيون يوماً بعد يوم أنّ الإتفاق على قانون إنتخاب جديد صعب بعد استنزافِ كل الصيَغ المطروحة، فيما الحلّ يتمثّل في درسٍ فعليّ للقانون الذي يناسب الواقع اللبناني. في وقت روّج البعض أنّ رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني قبلا بـ«الستين» وتقاسما الأدوار لترويجه.
لا يمكن فصل قانون الإنتخاب عن النزاع الدائر منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920، ففي تلك الفترة كان التنافس سنّياً – مارونياً، فيما كان الشيعة والدروز خارج اللعبة تقريباً، وقد دارت الأيام وانقلبت المعادلات حتّى وصلنا الى وضعنا الحالي.
لقانون الإنتخاب شقان: شقّ سياسي، وآخر تقني، والإثنان مرتبطان بعضهما ببعض، فعند إتفاق القوى السياسية يولد القانون فجأة، ويصبح الشق التقني عابراً، لذلك، فإنّ إعادة رسم الخريطة الداخلية يحتاج بعض الوقت لتثبيت الأحجام والأوزان، خصوصاً بعد الإستفاقة المسيحية التي حرّكها منذ نحو عامين الشعورُ بالغبن.
تؤكّد قوى سياسية مسيحية إجتمعت في بكركي منذ العام 2011 أنّ عدم قبول بعض الأحزاب بقانون الـ15 دائرة على أساس النسبية الكاملة يعود الى التغيّر الذي شهدته الساحةُ المسيحية.
ففي تلك الفترة كان النزاعُ سياسياً في الدرجة الأولى والمشهد منقسماً بين فريقَي «8 و14 آذار»، اللذين ضمّا أفرقاء من كلّ الطوائف والمذاهب، وفي تلك المرحلة أيضاً، فكّر المسيحيون في تحسين مواقعهم واستعادة حقوقهم ضمن اللعبة الكبرى.
وعلى سبيل المثال، كان حزب «القوات اللبنانية» وحلفاؤه من كتائب و«أحرار» ومستقلين غير قادرين على الفوز في أقضية جبل لبنان مع أنهم حصلوا في انتخابات 2009 على نسبة تصويت تقارب الخمسين في المئة، في حين كانت بعض الأقضية المسيحية في الشمال، والاشرفية، وزحلة عصيّة على «التيار الوطني الحرّ» وحلفائه، لذلك وانطلاقاً من رغبة كل طرف بالفوز في العدد الأكبر من المقاعد كانت النسبيّة المضبوطة هي الحلّ، وتُحسّن التمثيل المسيحي.
ويشير البعض الى أنّ اللعبة السياسية حالياً إختلفت، فالنزاع لم يعد سياسياً، بل تحوّل طائفياً ومذهبياً، وعلى مساحة الوطن العربي ككلّ وليس فقط في لبنان. لذلك، يسعى المسيحيون إلى الحصول على قانون انتخاب يقرّبهم من رقم الـ64 نائباً الذي أعطاهم إياه «اتفاق الطائف»، في وقت ستؤدّي النسبيّة الكاملة الى إلغاء الوجود المسيحي والتقليل من دوره في المناطق المختلطة، لأنّ معدّل الناخبين المسلمين لكل نائب مسلم هو نحو 27 ألفاً، فيما لا يتجاوز الـ19 ألف ناخب لكل مقعد مسيحي.
من هنا تصبح النسبيّة الكاملة ضرباً للوجود المسيحي في المناطق المختلطة، إلّا إذا ترافق ذلك مع نقل عدد من المقاعد الى أقضيةٍ ذات غالبية مسيحية، على رغم أنّ المعركة الإنتخابية يجب أن تأخذ بُعداً وطنياً وتكون عبارة عن تنافسِ برامج للمرشحين وليس القدرة على شدّ العصب الطائفي أكثر.
وفي هذه الأثناء، يتخوّف البعض من أن يترافق كل هذا الجدال مع شدٍّ للعصب المسيحي، فنكون أمام «تسونامي» جديدة شبيهة بتلك التي أحدثها الرئيس ميشال عون في انتخابات 2005، إذ إنّ البعض يحذّر من التمادي في إسقاط الصيَغ الإنتخابية، عندها سيستغلّ «التيار الوطني الحرّ» الأمر الذي سيُصوَّر ضرباً للوجود المسيحي، ويقبل بإجراء الإنتخابات على أساس قانون «الستين» فتأتي النتائج على نحو العام 2005.
وعلى رغم تأكيدات عون و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» رفض إجراء الإنتخابات على أساس «الستين»، لكنّه يبقى قانوناً نافذاً طالما لم يُقرّ بديل عنه، في وقت لم تشقّ الأفكار التي اقترحتها «القوات» طريقها نحو القبول ومنها إجراء الإنتخابات وفق قانون الـ15 دائرة الذي اتُفق عليه في بكركي سابقاً وفقاً للنسبية الكاملة، مع إعطاء الصوت التفضيلي إلى أبناء الطائفة في الأقضية التي لا تضمّ مقاعد للطوائف الأخرى، فينتخب المسلم في قضاء البترون مثلاً اللائحة التي يريدها لكنه لا يملك صوتاً تفضيلياً، وكذلك الأمر بالنسبة الى المسيحي في الضنية أو صور.
وفي هذه الأثناء، نفت مصادر بكركي أن يكون «الراعي وعون اتفقا في لقاءاتهما السابقة أو خلال خلوة الفصح في بكركي على إجراء الإنتخابات وفق قانون «الستين» في حال تعذّر الاتفاق على قانون جديد، وأن يكون الراعي تولّى مهمّة تسويق هذا الأمر مسيحياً».
وأكّدت المصادر لـ«الجمهورية» أنّ «ترويج مثل هكذا شائعات هدفه التهرّب من إنتاج قانون جديد يعيد لجميع المواطنين حقوقهم، فيما الحقيقة أنّ عون والراعي أعلنا مراراً وتكراراً رفضهما هذا القانون».
وشدّدت المصادر على أنّ «البطريرك يحضّ النواب والكتل السياسية، لا بل يُحرجهم من أجل الاتفاق على قانون جديد، وينتقد بالتالي الازدواجية لدى البعض الذي يجاهر فوق الطاولة بمطالبته بقانون جديد فيما يضع تحت الطاولة قانون «الستين» ويتمنّى العودة اليه»، لافتة الى أنّ «الراعي استعمل في كلامه عبارة «هرطقة» حين تكلم عن «الستين»، وفي الوقت عينه يرفض البطريرك رفضاً قاطعاً التمديد للمجلس النيابي إذا لم يكن تقنياً ومشروطاً بقانون جديد، ويعتبر التمديد لمجرد التمديد اغتصاباً للسلطة».