كل فترة يعود الحديث عن ضرورة تغيير النظام من خلال مؤتمر تأسيسي، لانه الحل الافضل بحسب الداعين له. وكان آخرهم النائب طلال ارسلان الذي اشار قبل ايام الى ان البلاد باتت على حافة مخاطر كارثية وهذا ما حذرنا منه قبل سبع سنوات، معتبراً ان محاولة لبننة الملفات اللبنانية سقطت اليوم بالكامل، وبالتالي فالنظام يسقط بين أيدينا ويلفظ أنفاسه الأخيرة. ورأى أن المؤتمر التأسيسي هو الحل ويضع حداً لإستباحة الدولة ويعيدنا للاحتكام الى القوانين. ارسلان اطلق هذه الرسالة في هذا الوقت بالذات لجسّ نبض الاطراف السياسية. فكان ردّ من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، الذي اكد رفضه لهذا الامر بشكل قاطع، لان أيّ مسّ بالدستور هو قفزةٌ في المجهول، كما توالت الردود الرافضة من قوى 14 آذار.
لكن ماذا على خط بكركي المرجع الاول للمسيحيين في لبنان؟، مصادر مقرّبة من البطريرك بشارة الراعي اكدت أنه لا يمكن تعديل الدستور في غياب حاميه أي رئيس الجمهورية رافضة تغييّر هوية لبنان من خلال تغيير الميثاق الوطني، وشددّت على ضرورة الاصلاح اولاً ، مذكّرة بأنه سبق للبطريرك الراعي ان حذر من محاولة البعض التسويق لهكذا مؤتمر، لانه يؤمن بالعيش المشترك والشركة بين اللبنانيين على مختلف طوائفهم.
هذا وترى المصادر المذكورة أن المؤتمر التأسيسي يؤدي الى خلل داخلي لان لبنان مبني على التشارك والالتزام بالميثاق، لكن ما يجري على خط المؤسسات الشرعية من فراغ اعطى حجة للبعض لطرح هذا المؤتمر، بعد ان طرح منذ فترة وجرى سحبه من التداول بسبب رفضه من اكثرية الافرقاء السياسيين. لكن اليوم تسأل لماذا اعيد طرحه من جديد ولأي سبب؟ خصوصاً ان باب الاصلاح ينطلق من جلسات الحوار الجديّة أي من خلال اتفاق الجميع، لا من خلال مؤتمر يلغي فكرة الدولة. والمهم اولاً تطبيق الدستور لا ضرب المرتكزات التي يقوم عليها لبنان، وبالتالي فالظروف لا تسمح بمؤتمر تأسيسي يضرب الصيغة التي توافق عليها السياسيون في مؤتمر الطائف، مما يعطي الفوز للبعض على حساب الفئات الأخرى، فينتج من ذلك إلغاء تعددّية المجتمع اللبناني مؤكدة وجود هواجس لدى بكركي من تعطيل الاستحقاقات الدستورية وأبرزها رئاسة الجمهورية، ومحاولة تعطيل عمل المجلس النيابي والحكومة، فيما المطلوب دعم هذه المؤسسات، لذا علينا التيقظ والتفكير بوعي وادراك ورفض كل ما يحاك لهذا البلد والتمسّك بالمناصفة والعيش المشترك.
الى ذلك ترى المصادر عينها أن المؤتمر التأسيسي يعني ان الكيان غير موجود وهو بحاجة الى اعادة تأسيس، وبالتالي أخذ الوطن الى المجهول. ورأت أن التعددية اللبنانية شيء ايجابي، لكن في المقابل يجب ان تعترف القوى السياسية ببعضها، ففي لبنان شعب واحد وتاريخ واحد، لذا لا نحتاج الى تأسيس لكن عليهم ان يعترفوا بالتعددية لان الاختلاف غنى ، مذكّرة بلاءات البطريرك الراعي وهي: لا للشغور الرئاسي، لا للمثالثة، لا للمؤتمر التأسيسي ولا لنقض الدستور، سائلة عن كيفية القيام بمؤتمر تأسيسي فيما لم يتمكنّوا بعد من انتخاب الرئيس؟ مما يعني ان الظروف غير ملائمة بتاتاً لأي مشروع من هذا النوع ووفقاً لمعايير جديدة تقوم على المثالثة، اي القضاء على صيغة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، مع ما يمثله ذلك من انتقاص وهدر لحقوق المسيحيين في لبنان.
وختمت بأن مواقف بكركي لا تخضع للتوظيف السياسي، بل تنبع من دورها كمسؤولة عن مسيحيّي لبنان والمنطقة، ومن دورها في الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته، خصـوصاً ان موقعها في المعادلة اللبنانية كبير ودورها يتجاوز البعد الديني الى البعد الوطني الاوسع، داعية الاطراف السياسية الى اتخاذ خطوات تؤكد من جديد على المناصفة بهدف توحيد الكلمة اللبنانية وحماية لبنان من التحديات المرتقبة، والانفتاح من جديد على الحوار والتفاهم والحرص على الوحدة الوطنية، لانها الضمـانـة الوحيدة للبنان.