ربما من اقدار الصرح البطريركي في بكركي الا ينام على هم عتيق منذ وجد الموارنة سواء اكان ذلك من خلال ما لحقه من ظلم واضطهاد بفعل غزوات الطارئين من مماليك وعثمانيين ووصاية سورية ومن خلال تحمل الصرح بعدما صنع «لبنان الكبير» على يد البطريرك الياس الحويك مناكفات «ديوك» الموارنة على رقعة السلطة والنفوذ داخل الحلبة المسيحية والتي تتجلى اولا واخيرا عندما يحين استحقاق ملء الكرسي الاولى في القصر الجمهوري ولكن المناكفات ما قبل اتفاق «الطائف» لم تكن تتعدى الساعات القليلة ايام «المارونية السياسية» على خلفية انتخاب رئيس للجمهورية، بحيث كان «البازار» الرئاسي يفتح في ربع الساعة الاخير الذي كان يختزن المفاجآت كون الرئيس طبق يطبخ خارج لبنان وفق الاوساط المواكبة للايقاع الرئاسي فعلى سبيل المثال لا الحصر ان الامير عبد العزيز شهاب نام رئىسا للجمهورية بعد نهاية عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب واستفاق على شارل الحلو رئىسا للجمهورية، وكذلك الامر في نهاية عهد حلو فقد نام الرئيس كميل شمعون رئىسا لولاية ثانية اثر اكتساح «الحلف الثلاثي» الذي شكله الثلاثي شمعون والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون اده الساحة السياسية، الا ان شمعون استفاق على سليمان فرنجية الجد رئىسا للجمهورية، ما يشير الى ان الوحي او كلمة السر غالبا ما تنزل في الدقائق الاخيرة لصناعة الرؤساء.
وتضيف الاوساط ان قواعد اللعبة بعد «الطائف» ومع زوال «المارونية السياسية» التي كانت مدرسة للحكم بامتياز قد انقلبت او بالاحرى اضاعت موازينها الى حد يطرح فيه السؤال اليوم: من يصنع الرئيس؟ هل هو التفاهم الاقليمي الدولي ام التوافق الداخلي بين فريقي 8 و14 آذار اللذين تحولا الى عدة افرقاء داخل البيت الواحد، ما يجعل من انتاج رئىس للجمهورية بملأ الفراغ عملية بالغة التعقيد لا تبدأ بالفاتيكان المستعجل على انهاء الشغور في بعبدا خشية خسارة اخر موقع للمسيحيين في الشرق ولا تنتهي بالتوافق السعودي / الايراني في حال حصوله لا سيما وان عقدة العقد تكمن داخل البيت الماروني وعلى بكركي ان تحمل صليب الرئاسة الاولى مع علمها ان سيدها مار بشارة بطرس الراعي في مكان «والديوك» الموارنة في مكان اخر لا سيما وان الراعي عجز عن جمع شمل الاقطاب الاربعة الذين غابوا جميعا عن حضور قداس الميلاد كما يقتضي البروتوكول المتبع منذ عشرات السنين.
وتشير الاوساط الى ان الهجوم الذي تعرض له الصرح من خلال ما وصف بـ «الزهايمر الروحي» يزيد من الاحباط على الرقعة المسيحية كونه يضعف او يلغي دور الصرح على ايدي ابنائه، فقد حصل تسرع في «تفسير المفسّر» حول التمييز بين المبادرة والمرشح ما دفع بالراعي الى توضيح الامور منعا لتصنيفه انه يقف الى جانب النائب سليمان فرنجية، فبكركي لم تطرح «فرنجية او لا احد» علما ان رجل الاعمال جيلبير الشاغوري حاول اقناع الراعي بالسير بفرنجية اثر زيارته للبنان لتقديم واجب العزاء بنجل ميشال القطريب الذي توفي في نيجيريا، ولكن الراعي بقي على موقفه كحكم بين المرشحين الاربعة الكبار، وكذلك زار الشاغوري الرابية لاقناع العمال ميشال عون بالمسألة ولكنه لم يلق جوابا.
وتقول الاوساط ان المبادرة التي اطلقها الرئيس سعد الحريري حملت صاعق تفجيرها بداخلها، فلماذا يطلب من بكركي السير بها دون ان تكون قد وضعت في اجوائها قبل الاعلان عنها لتقوم بدورها فهل كان المقصود فيها احراق الطبق الرئاسي وضرب الصرح بالاقطاب الاربعة وضرب الاخيرين بعضهم ببعض وهذا ما حصل في الواقع الميداني، ولعل اللافت ان ما سمّي «مبادرة جدية» تدنى تصنيفها الى «اقتراح» وفق الرئيس فؤاد السنيورة ما يعني ان ما حصل «قول حق اريد به باطل».