علمت «الأخبار» أن بكركي وراء طرح فكرة «الرئيس الانتقالي» لولاية من سنتين تُجرى خلالهما إصلاحات دستورية تمهد لانتخاب رئيس للجمهورية. الطرح جاء في الوثيقة التي سلّمها البطريرك بشارة الراعي الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أخيراً: رئيس انتقالي، فإصلاحات دستورية، فرئاسة جمهورية من دون ميشال عون
لبكركي همّ وحيد: انتخاب رئيس للجمهورية يعيد الى المسيحيين موقعهم الأول، أياً يكن هذا الرئيس… وربما أيّاً تكن فترة الولاية.
هكذا يُقرأ كلام النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم، أول من أمس، بأن البطريرك بشارة الراعي «لم يبد رأياً قاطعاً» في اقتراح انتخاب رئيس انتقالي لمدة سنتين، وأن بكركي «تبارك أي تفاهم وطني على حل انتقالي إذا كان انتخاب رئيس لست سنوات أمراً متعذراً».
أما نفي أن يكون الصرح مصدر الاقتراح، ونسبه الى رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، فليس كل الحقيقة.
وفي معلومات «الأخبار» أن الوثيقة التي قدمها الراعي الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، لدى زيارته الأخيرة للبنان، تضمّنت بنوداً عدة من بينها انتخاب رئيس لفترة لا تزيد على سنتين. ولاستباق أي كلام عن حاجة مثل هذا الطرح الى تعديل للدستور، فقد تضمن الاقتراح أن يُنتخب «الرئيس المؤقت» لولاية من ست سنوات لطي صفحة الفراغ، على أن يقدّم استقالته طوعاً بعد انقضاء السنتين، مع حكومة عهده، شرط ان لا يشارك رئيس هذه الحكومة وأعضاؤها في الانتخابات النيابية التي يتم الاتفاق على إجرائها في «العهد المختصر».
السير في اقتراح عون رئيساً انتقالياً يجعله شريكاً في اختيار الرئيس الذي سيخلفه
وعلمت «الأخبار» ان وثيقة الراعي تضمنت مطالعة طويلة تفيد بأن «الأزمة الوطنية» في لبنان مستمرة منذ إقرار اتفاق الطائف قبل أكثر من ربع قرن، وهي تعود أساساً الى التطبيق المنقوص لهذا الاتفاق الذي حالت الوصاية السورية في مرحلة ما قبل 2005 دون استكماله. كما حال استخدام السعودية للطائف، قبل 2005 وبعدها، لتمكين الموالين لها من الامساك بالسلطة، دون تطبيقه كاملاً. وعليه تدعو الوثيقة باريس الى فتح حوار مع الرياض يؤدي الى العودة الى احترام هذا الاتفاق ومندرجاته.
وقرنت الوثيقة الاقتراح بسلة من الاصلاحات التي تعزز مشاركة المسيحيين في النظام السياسي، من بينها: إقرار قانون انتخاب عادل يعيد الى المسيحيين تمثيلهم الصحيح ويزيل شعورهم بالغبن؛ وإقرار قانون اللامركزية الإدارية كما ورد في اتفاق الطائف. وهو قانون يرتاح له المسيحيّون لمحافظته على الجغرافيا الخاصّة بهم، وعلى وجودهم في الجغرافيا المختلطة طائفياً. ومن جهة أخرى يؤكد على مبدأ «الدولة المركزيّة» بما لا يثير الهواجس الإسلاميّة. ومن بين الاصلاحات التي طالبت بها الوثيقة البحث في استعادة بعض صلاحيات الرئيس المسيحي، مثل تحديد مهلة زمنية لرئيس الحكومة المكلف لتشكيل حكومته وإلا تعاد الاستشارات النيابية لتسمية شخص آخر، وتعديل آلية المهل الدستورية التي تعطي رئيس الجمهورية حق الاعتراض على أي من قرارات الحكومة خلال 15 يوماً، وتعتبر هذه القرارات والمراسيم نافذة حكماً ويُلزم الرئيس بنشرها في حال أصر مجلس الوزراء عليها (المادة 56).
رزمة الاصلاحات هذه التي يفترض إنجازها إبّان الولاية الرئاسية المبتسرة من شأنها، بحسب الوثيقة، أن تضع لبنان على سكة الخروج من دائرة الفراغ الرئاسي، وتمهّد لانتخابات نيابية، فانتخاب رئيس للجمهورية «كامل الأوصاف». ويكون ذلك عبر اتصالات تقودها فرنسا مع السعودية وايران ومع الأطراف المحلية. وفي السياق، تقدّم بكركي لائحة من المرشحين الذين تتوافر فيهم المقبولية محلياً واقليمياً لتجري الغربلة وصولاً الى المرشح العتيد الذي يعمل الفاتيكان على تسويقه مسيحياً، فيما تتولّى باريس مهمة الترويج له دولياً.
بحسب مصادر مطلعة، يبدو اقتراح الرئيس «الانتقالي» وكأنه «مفصّل» على قياس العماد ميشال عون. وربما لذلك سرعان ما رُفض ووُصف بـ «الهرطقة» و«التقريقة»، ولم يعد يجد من يتبنّاه. صحيح أن أحداً لم يطرحه على جنرال الرابية ولم يبحث فيه معه، إلا أنه في طياته يحاول «إغراء» الرجل بتحقيق حلمه الرئاسي، ولو مبتسراً، مع امكانية تحقيق «أحلام» أخرى، ولو بمفعول رجعي، من نوع استدعاء العميد شامل روكز الى قيادة الجيش، وتفرّغ «الوزير الأول» في العهد، جبران باسيل، لتكريس زعامته على التيار الوطني الحر بما يمهّد لوراثته الحلم الرئاسي. والهدف الأساس هنا هو «جائزة ترضية رئاسية» لعون في مقابل تحييده عن السباق الذي يلي ولاية السنتين.
وإذا كانت الأوساط العونية عبّرت عن رفضها لهذا الطرح الذي ينطوي على سابقة من شأنها إضعاف موقع الرئاسة، ولأن «الجنرال لم يخض هذه الحرب الكونية من أجل سنتين رئاسيتين، وهو اليوم، بعد التطورات الاقليمية وتفاهم معراب، يشعر أنه أقرب الى بعبدا أكثر من أي وقت مضى». فإن رفض الأطراف الأخرى منطلقاته مختلفة. في الشكل، تجادل «ترويكا» نبيه بري ــــ سعد الحريري ــــ وليد جنبلاط بأننا إذا كنا قادرين على الاتفاق على آلية حوار سياسي تحت قيادة رئيس مؤقت، تقود الى إقرار قانون انتخاب، فإجراء انتخابات نيابية، ثم انتخاب رئيس للجمهورية. فمن باب أولى أن نذهب مباشرة الى اتفاق شامل ننتخب على أساسه رئيساً للجمهورية. لكن ما لا تقوله أوساط «الترويكا»، بوضوح، هو أن ميشال عون (بصرف النظر عن موقفه من الاقتراح) مرفوض رئيساً، سواء انتقالياً أو «كاملاً»، وأن السير في اقتراح كالذي تطرحه بكركي لن يجعل من الرجل رئيساً فحسب، بل وشريكاً في اختيار الرئيس الذي سيخلفه.