استلّ السياسيون حتى الآن في موضوع الانتخابات الرئاسية، ما بات معروفا ببيان بكركي، وكان آخر الخطوات في هذا الاطار دعم الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية، باعتباره أحد الاقطاب الاربعة الذين اجتمعوا في الصرح البطريركي، وله حصة متوازية مع الاقطاب الآخرين، وأعقب ذلك إعلان الدكتور سمير جعجع دعم ترشيح العماد ميشال عون. بعد أكثر من سنتين على بيان بكركي الذي شكل ناظما لموضوع الانتخابات، يعتبر أفرقاء معنيون بالرباعية التي باركتها الكنيسة المارونية ورعتها، أن القواعد التي بني عليها دعم ترشيح أحد الاقطاب الاربعة فشلت، وفشلها ظاهر في عدم القدرة على انتخاب رئيس حتى الآن. ومع أن ما خلص اليه بيان بكركي يعتبره كثر من أكبر الاخطاء التي ارتكبت في هذا الملف وساهمت في تعطيل الانتخابات، خصوصا انه فهم منه حصر الرئاسة بأربعة، في حين أنه حق لجميع السياسيين المؤهلين، يفكر هؤلاء الافرقاء في طرح مقاربة مختلفة انطلاقا من عاملين متناقضين: الأول يقضي بأنه إذا أخذ بيان بكركي في الاعتبار، فإن إعادة نظر، لا بل إعادة قراءة لهذا البيان لم تحقق ما فهم أنه حصر المرجعية بالاقطاب الاربعة، في حين أن البنود الاخرى أهملت، على رغم ان العماد عون يحاول ان يستند من دون نجاح كبير الى كلمة ميثاقية من أجل الاستمرار في ترشيحه رغم ضآلة حظوظه في الرئاسة. فثمة تهاون في إجراء الانتخابات واحترام موعدها وفقا للأصول الدستورية، وهناك تجاوز للبند الذي يقول بألا يكون لأي من الأقطاب فيتو على الآخر، في حين أن هذا البند لا يحترم، ولو لم يعلن في شكل واضح. والأهم أن هناك تجاوزا للبند الثالث المتعلق بضرورة الاتفاق على أن حضور جلسات الانتخاب واجب وطني، وهو يؤكد الدور المسيحي والحرص على الدستور، وهذا لا يتم التزامه ايضا. وتقول في البند الخامس أنه من الصعب أخلاقيا وقانونيا حصر مواصفات الرئيس وحق الترشح بالاقطاب الاربعة، لذا فإن هذا الاستحقاق يدعو الى قيام تنسيق حول آلية العملية الانتخابية. أما العامل الآخر فهو يقضي بقلب صفحة هذا البيان ما دام المستفيدون سعوا الى أن يأخذوا منه ما يريدون ويهملوا المضمون الأهم المتصل بعدم ترك الفراغ في الموقع الرئاسي الاول والعودة الى الانطلاق من الصفر ما دام البيان فشل في تأمين حصول الانتخابات، خصوصا ان مفهوم الرئيس القوي الذي رفع عنوانا، أطاحه الهامش الضيق للمرشحين اللذين لم يتمكنا من إثبات القول بالفعل في هذا الملف تحديدا.
هذا الكلام يعبّر عن أزمة لا تنتهي، وباتت تثقل على مواقع عدة ولا سيما لدى المسيحيين. إلا أنه كيفما كانت المقاربة فلن تؤدي الى تغيير الواقع، أقله من ضمن اللعبة السياسية القائمة، إذ لا مؤشرات توحي بتغيير المواقف المتناقضة، خصوصا في ظل استمرار التباعد الإقليمي. فمع التسليم جدلا بأن لا انتخابات في الأفق المنظور، وان هذه أضحت مرتبطة بعوامل عدة ليس اقلها انتظار اتضاح صورة الوضع في سوريا، فإن هذا يعني عمليا ان لا استعداد لاي من الافرقاء للتخلي عما يملكه من أوراق، أو يعتقد أنه يملكه. فـ”حزب الله” لا يزال يتمسك في خطابات امينه العام السيد حسن نصرالله بالعماد ميشال عون مرشحه الوحيد، ويبدي استعدادا للتخلي عن السلة التي كان طالب بها في وقت سابق في حال انتخابه، وهو ما يفسره نواب الحزب بأنه فك لعقدة الرئاسة، على غرار قول النائب محمد رعد قبل يومين ان “لا فريق يعطل انتخاب رئيس بالمعنى السياسي والعملي، بل هناك طاولة حوار ينبغي ان تنتهي الى نتائج في كل النقاط التي يجري التحاور حولها، ثم نبدأ بتنفيذها واحدة تلو الاخرى، ولا مانع ان نبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية. وهذا الموقف لم يلق ردود فعل كبيرة لان المواقف يتم تكرارها بصيغة او أخرى، إلا ان موقف الحزب ككل من موضوع السلة المتكاملة قوبل من الرئيس سعد الحريري بالقول إننا نريد ان تشمل السلة سلاح الحزب تحديدا، وعليه ان يعرف في النهاية انه مكون كسائر مكونات البلد”، الامر الذي يعني ان الانتخابات قد تكون معبرا لاتفاق متكامل في حال لم يتم التعامل معها على انها بند ملح في ذاته ينبغي تنفيذه على نحو فوري. وهذا لم يظهر حتى الان في حين كانت الخشية دوما مع تعطيل رئاسة الجمهورية الا تأتي الانتخابات الا من ضمن اتفاق بنقاط عدة على ما حصل حين عطلت انتخابات الرئاسة في وقت سابق، خصوصا ان هناك مبررات قد تسوق الى ذلك على وقع التغيير الذي يمكن ان تحمله التطورات الدرامية في دول الجوار، ومن بينها في شكل اساسي تورط “حزب الله” في الحرب السورية. لكن ما يطرح عبر وسائل الاعلام في المواقف السياسية لا يطرح حتى الآن في الحوار الثنائي او الحوار الاوسع، الا أنه ممهد للامور حين يحين اوانها.