تبرز معطيات الساعات الاخيرة مشهدا بالغ السوداوية ازاء ما يمكن ان تذهب اليه الامور في البلاد في ظل عجز القوى السياسية عن استشراف الأزمات المتصاعدة وادراك حجم المخاطر المترتبة جراء الانزلاق الى الشارع في لحظة بالغة الخطورة والدقة داخليا واقليميا، قد توظف من جانب المصطادين في المياه العكرة للاطاحة بما تبقى من الدولة.
وفيما تستمر التحضيرات اللوجستية لمنسقي الأقضية ومسؤولي المناطق في التيار الوطني الحرّ بانتظار الضوء الأخضر من الرابية لتحريك الشارع في المناطق، تبقى خطوط التواصل مفتوحة مع الحلفاء وغير الحلفاء، منها من يقوم بها العماد عون شخصيا، لوضع الأمور في نصابها وتوحيد الجهود من اجل تعزيز الحضور المسيحي في المؤسسات، وفي هذا الاطار كشفت المصادر عن طلب وفد من مستشاري العماد عون مواعيد من القيادات الروحية لشرح موقف التيار الوطني الحّر من الازمة الحالية والتعيينات الأمنية، خاصة بعد المكالمة «الساخنة بين «الجنرال» و«البطريرك» ابلغ خلالها الاخير «رفضه» لتحريك الشارع في الوقت الراهن، تحت اي شعار كان، ما اثار «نقزة» عون بحسب مصادر مسيحية في 14 آذار.
«نقزة» بينت ان «الجنرال» الذي يمضي بالتصعيد وحيداً لم يحظ بأي دعم لحركته، على حد قول المصادر نفسها، خصوصا بعد سقوط الرهان على دعم قواتي في الشارع، تطبيقا لاعلان النوايا في اول اختبار جدي له، مع اعتذار معراب عن المشاركة في النزول الى الشارع وتفضيلها خيار الحوار للوصول الى تفاهمات، لان الوضع الحالي لا يحتمل أي خضّة أمنية أو اهتزاز في التوازنات القائمة، خصوصا ان ابرز عناوين التحرك هي تصحيح عمل الحكومة التي اساسا لا تشارك القوات فيها، فيما كان رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل، يغمز من قناة رئيس تكتل الاصلاح والتغيير في اول اختبار شعبي له بعد انتخابه رئيسا للحزب، رافضا «تعطيل الرئاسة لاسباب انانية».
وتكشف المصادر أن التهديد العوني بالشارع وقطع الطرقات جوبه بعدم ارتياح من الحلفاء المتخوفين من إمكانية تسلل متضررين من الاستقرار الأمني مستغلين هذه التحركات لخلق حالة من الفلتان والفوضى، الامر الذي سمعه عون من الامين العام لحزب الله خلال لقاء جمعهما بقي بعيدا عن الاعلام، عشية اطلاق عون لحملته، حيث اكد نصر الله وقوف الحزب خلف التيار، وتأييده لكل الخطوات التي يعتزم القيام بها، معتذرا عن المشاركة في التحركات الجماهيرية خوفاً من اي احتكاك في الشارع في ظل ظروف الاحتقان التي يعاني منها البلد، علما ان مصادر وزارية تعمّدت تسريب خبر مفاده بأن «حزب الله» الذي اعترض على إقرار مرسوم دعم الصادرات الزراعية شفويا إنسجاما مع مطالب حليفه العوني عاد ووقع لاحقا على المرسوم، الامر الذي دفع بالرابية الى الرد بان لا تحالفات مقدسة لها في هذه المعركة التي تعتبرها معركة» حياة او موت».
في موازاة ذلك ثمة مَن يعتقد من خصوم عون ومعارضيه ان مغالاته في توقيت التصعيد والنزول الى الشارع سيشكل خطأ في الحسابات غالباً ما وقع «الجنرال» في حفرته، ما سيرتد عليه سلباً. من هنا ترى المصادر المسيحية في 14 آذار ان لا داعي لأي محاولات لثنيه عن محاولاته لجعله يختبر قدرته على تحفيز أنصاره وحشدهم باعتبار ان حدود هذا التحرك مهما بلغ حجمه لن يكون قادراً على تغيير الواقع السياسي والحكومي، وتالياً «ليكن هذا التحرك بمثابة استطلاع للرأي الذي يهيئ له عون على الصعيد الرئاسي وبديلاً منه»، معتبرين ان العماد سيكتشف وحده ان التحرك لن يكون بالمستوى الذي يريده، ما سيدفعه للتراجع عنه في اللحظة الحاسمة بدليل انه حتى الساعة لا يزال يرفض كشف التوقيت والصورة التي يخطط عبرهما لدعوة أنصاره الى التحرك، ما يعني انه لا يزال يمارس لعبة الضغط ورفع السقف ليقرر لاحقاً خطواته في ظل ردود الفعل والوساطات.
رغم ذلك فان معطيات الساعات الأخيرة كشفت عن مشاورات سياسية على وتيرة هادئة مدعمة بدور الرئيس بري الإطفائي لتبريد الجو ولامتصاص التوتر وتسهيل شؤون الناس، سعياً الى التخفيف من الاندفاعة العونية وتجنّب تكرار الاشتباك السياسي داخل مجلس الوزراء،استباقا لخميس «المراجل» والاختبارات، بين حدي التجييش العوني، وتشكيك الفريق الآخر بجدوى هذا التجييش، مع اقرار الجميع تقول المصادر نفسها بان الشحن الذي يزعج حتى «حزب الله»، لن يؤدي المطلوب العوني، بل سيترك البلاد مكشوفة أمام التوترات الأمنية العابرة للحدود ويعمق الشغور المؤسساتي.
بين مطرقة عون الغليظة وسندان الاكثرية المسيحية الهش، يبدو ان الساحة المسيحية ستدخل اختبارا جديدا بحسب المصادر في 14 آذار في ظل اصرار العماد عون على النزول الى الشارع عملا بالمثل اللبناني القائل «عنزة ولو طارت». فالمواجهة مع الحكومة تقول المصادر المسيحية تتجه الى ان تكون ساحتها المناطق المسيحية في ظل المعلومات عن تحذيرات من حصول صدام في حال بلغت التحركات مناطق معينة، مع ارتفاع سقف الخطاب المذهبي وتحول المواجهة الى طائفية بامتياز شعارها «استعادة الحقوق المسيحية».