عندما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه لن يسير بالانتخابات النيابية اذا لم يشارك فيها “تيار المستقبل”، لأن الانتخابات تفقد بذلك ميثاقيتها بغياب مكون طائفي وسياسي أساسي عنها، كان واضحاً أن الاستحقاق النيابي يمضي نحو تمديد ثانٍ للولاية، والجهد المبذول من كل القوى السياسية يقضي بالبحث عن سيناريو الاخراج والجهة السياسية التي ستتحمل تبعته.
في الاسابيع القليلة الماضية، اجتازت حركة الاتصالات والمشاورات السياسية شوطاً كبيراً في اتجاه انجاز هذا الاستحقاق بأقل الاضرار الممكنة مسيحياً، بما أن المتضرر الأكبر منه في الجانب المعنوي أقله، هو الفريق المسيحي، بقطع النظر عن التحالف السياسي الذي ينتمي اليه لسببين: أولهما أن التمديد يدوس الاستحقاق الرئاسي ويتجاوزه مغفلا أهمية الموقع الدستوري الاول وأحقية المسيحيين في ملء شغوره. والسبب الثاني أنه يتم بالتفاهم والتوافق بين كتل سياسية وطائفية كبرى، من دون الأخذ في الاعتبار هواجس الحلفاء المسيحيين.
لم يبق أمام اخراج التمديد الا أيام قليلة لتوجيه الدعوة الى جلسة تشريعية تدرج بنده في جدول الاعمال، فيما يبقى العمل جارياً على الصيغة التي سيتم اقتراح القانون بموجبها، وخصوصا أن جل ما هو متوافر هو اقتراح القانون الذي تقدم به النائب نقولا فتوش والقاضي بتمديد الولاية لمدة سنتين وسبعة أشهر.
وثمة كلام في الكواليس على امكان أن يأتي الاقتراح مشروطاً في أسبابه الموجبة بفقرة تدعو الى اجراء الانتخابات النيابية فور انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بما يمكن أن يعطي تطمينات للمسيحيين بأن الاستحقاق الرئاسي غير مهمل، وستكون له أولويته بعد التمديد. ولكن حتى الآن، كل الافكار لا تزال قيد التداول في ظل تنامي الاستياء في الوسط المسيحي من استعادة جديدة لسيناريو التمديد الاول، علما انه منذ ذلك التاريخ قبل نحو عام ونصف عام، لم يُسجل خطوة الى الامام على طريق اقرار قانون جديد للانتخاب.
واذا كان الوسط المسيحي يتخبط راهناً في حسم الخيار الذي سينتهجه وسط حفلة من المزايدات تنهك شارعه، فان ما رشح حتى الآن من اجواء الكتل النيابية المسيحية هو أن معظمها حسم خياره بالمشاركة في جلسة التمديد، لكنه لم يحسم قراره في شأن الموقف الذي سيتخذه. وهنا، يمكن تسجيل بعض الملاحظات والمعطيات التي ستحكم مشهد الجلسة التشريعية المرتقبة:
– ان الاشكالية الحقيقية التي تواجهها الجلسة تتمثل في ميثاقيتها، انطلاقا من المفهوم الواسع والاستنسابية المرنة وربما المفرطة في تحديد مفهوم الميثاقية، في ظل مفهومين أحدهما يرى فقدانها في أن يغيب المكون الطائفي عن القرار، والثاني في ألا يشارك في صناعة القرار. وفي جلسة التشريع المرتقبة، قد تبرز الاشكالية في غياب المكون المسيحي عن المشاركة في صنع القرار، باعتبار أن معظم الكتل (القوات والكتائب والتغيير والاصلاح) ستحضر الجلسة، ولكن منها من سيمتنع عن التصويت ومنها من سيرفض التمديد.
– ان امتناع كتل وازنة سياسياً عن التصويت او رفض التمديد لا يضمن، بحسب مراجع قانونية بارزة، الميثاقية للقانون، وسيصح فيه ما تحدث عنه رئيس المجلس نبيه بري عندما رفض السير بالانتخابات اذا لم يشارك فيها المكون السني الابرز، ” تيار المستقبل”. وهنا، يبرز السؤال، من هي الكتلة المسيحية الوازنة التي ستغطي التمديد واذا حصل، فبأي كلفة وبأي ثمن؟
– ان الموقف المفاجئ للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي اول من امس الذي رفض أن يبارك التمديد ووصفه بالمخالف للدستور، جاء بمثابة رد غير مباشر على التفسيرات التي اعطيت لنتائج لقائه بالرئيس سعد الحريري في روما أخيراً. وفُهم منه ان الراعي أمن الغطاء المسيحي للتمديد. وفيما ترى الاوساط السياسية أن كلام الراعي قد يؤخر التمديد لكنه لا يمنعه، أكدت في المقابل أن سيد بكركي بكلامه هذا رفع في الوقت عينه، الغطاء المسيحي عنه.
– ان أي مشاركة للكتل النيابية في حضور الجلسة وتأمين نصابها سيقتصر على حضور شكلي لا يعني بالضرورة اعطاء الجلسة الميثاقية.
وتنبّه مراجع سياسية مسيحية الى خطورة السير بتمديد لسنتين و7 أشهر غير مشروط، بما يؤشر الى تمديد لولاية شبه كاملة تقريبا، نظرا الى ما ينطوي عليه مثل هذا القرار من مخاطر اذا لم يحظ بضمانات، في ظل تطورات متسارعة في المنطقة ليس معروفاً ما تحمله للبنان أو للمنطقة.