لا حاجة لتحديد «الدلفة» من «المزراب» ما بين واقع حال التعليم الرسمي أو الخاص، وحتى ما بين التعليم العالي أو المدرسي. ففي شتى المراحل التعليمية يبدو مصير العام الدراسي على المحك، والقلق يغمر التلاميذ، فيما الاساتذة «إجر بالصف والتانية بالاعتصام»، والاهالي في حيرة من أمرهم، لا من سجّل أولاده في الرسمي مطمئن، ولا من ارتضى بارتفاع الاقساط «شترا راحتو»، فنهار أمس كاد يتحوّل إلى اليوم العالمي للتظاهرات التربوية، بعدما أقفلت معظم أبواب المدارس ولبّى أساتذة «الرسمي» و»الخاص» دعوة هيئة التنسيق النقابية ورابطة موظفي الادارات العامة للإعتصام.
«جمعتن لمصيبة». كلمتان تختصران موجة الغضب العارم والتحرّكات التي شهدتها ساحة رياض الصلح بعد ظهر امس، والتي خاضها المعلمون في قطاعي التعليم الرسمي والخاص.
المدارس الرسمية
«لا للمسّ بحقوقنا المكتسبة، لا الدوام لا الراتب ولا الإجازات». شكّل هاجس المساس بالرواتب وبالتقديمات الدافع الأساس لتحرّك أساتذة التعليم الرسمي كخطوة إستباقية لما قد يحمله إقرار الموازنة من مفاجآت غير سارة. في هذا السياق يوضح رئيس رابطة التعليم الثانوي نزيه جباوي لـ«الجمهورية»: «وجّهنا رسالة أساسية بتحرّكنا وهي «ما تمزحوا معنا!». وهذه الرسالة الاخيرة التي نوجّهها قبل إعلان التحرّك الكبير وربما المفتوح. فأساتذة التعليم الثانوي الرسمي طفح كيلهم من «مدّ اليد إلى جيوبهم». أما بالنسبة إلى مصير العام الدراسي، فيقول: «كل الاحتمالات ممكنة ولا أستبعد شيئاً في ظل الظروف القائمة».
وأثنى جباوي على المشاركة الواسعة التي تجلّت، قائلاً: «مرّة جديدة وقف أساتذة التعليم الثانوي كتفاً إلى كتف لرفع الصوت عالياً. فقد ملأوا الساحات حتى تلك المحيطة برياض الصلح، ولكن من «نزع الطبخة» في نهاية التحرّك قسم من المعتصمين العسكريين المتقاعدين، الذين حاولوا تجاوز الأسلاك الشائكة المحيطة بالسراي والتنافس في ما بينهم للتحدث على المنبر الذي وضعناه نحن بالاساس، والمؤسف لم يعد بوسع رؤساء الروابط إلقاء كلاماتهم».
في سياق متصل، نفّذ الاساتذة المتعاقدون في التعليم الرسمي إعتصاماً امام وزارة التربية والتعليم العالي. في هذا الاطار، يوضح منسّق حراك المتعاقدين في التعليم الثانوي حمزة منصور في حديث لـ«الجمهورية»، «انّ لتحرّكهم رسائل متعددة، أولاً باتجاه السلطة التي تفرض على وزارة التربية عدم السماح للمعلمين المتعاقدين في التعليم الثانوي بمراقبة امتحانات المدرسة، كما انّها تميّز ما بين المتعاقدين ومن هم في الملاك». ويضيف: «من هم في الملاك يوقّعون في مدارسهم وقد لا يدرّسون، والتفتيش يتجاهل المسألة، فيما يُمنع المتعاقدون من التوقيع، وعندما نستفسر عن الامر يكون الجواب «انت ما درّست ما بتقبض». وتابع: «لذا نطالب اليوم بإنصافنا، ونرفض التعاطي معنا بهذا الإستلشاء، ولذلك قررنا ان يكون لنا تحرّك خاص مع إحترامنا لزملائنا، خصوصاً اننا ندفع ثمن إضرابهم في كل مرّة»، مؤكّداً في الوقت نفسه، «لا مشكلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الثانوي الذهاب نحو الاضراب المفتوح لتحقيق مطالبهم».
المدارس الخاصة
في المقابل، شكّل مطلب رفض احتمال فصل التشريع بين التعليم الرسمي والخاص، المحرّك الاساس لمعلمي التعليم الخاص، بالإضافة إلى مطالبتهم بـ«الست درجات كحق قانوني». لذا، لبّى معظم المعلمين نداء نقابة المعلمين لإعتصام في ساحة رياض الصلح بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء.
وفي هذا الإطار، أعرب نقيب المعلمين رودولف عبود في حديث لـ«الجمهورية» عن مخاوف المعلمين من إقرار فصل التشريع، قائلاً: «بفصل التشريع يريدون إيجاد مخرج لحرماننا من الدرجات الست، وإجبار المعلمين على توقيع عقد عمل حرّ مع إدارات المدارس كتعاقد، وأن يعيشوا تحت رحمة ما تمنحهم إيّاه الادارات، على طريقة «عجبك أهلا وسهلا عنا، وإلّا في غيرك أساتذة كتير». ويضيف: «في نظرنا وحدة التشريع تُلزم الدولة بطريقة أو بأخرى إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتأمين حماية اكثر لموقع المعلم ولتعويضه».
وتابع عبود: «من خلال تحرّكنا جدّدنا تمسّكنا بحقنا بالدرجات الست، فنحن مصروّن على أن يكون هناك سلسلة رتب ورواتب تُجبر المدارس على الالتزام بها»، مشيراً إلى انّهم على «استعداد لتحرّكات أوسع بعدما أعاد المعلمون رص صفوفهم ورفع صوتهم».
أما عن مصير الامتحانات والعام الدراسي، فيقول: «لا أنكر انّ العام الدراسي يترنح، و«كل شي وارد»، إلى حين إقرار الموازنة ومعرفة الخيط الابيض من الاسود».
الجامعة اللبنانية
ووسط موجة الاعتصامات، يواصل أساتذة الجامعة اللبنانية إضرابهم الذي دخل اسبوعه الثالث على التوالي. وفي هذا السياق، يؤكّد رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية الدكتور يوسف ضاهر «مواصلتهم الاضراب إلى حين صدور قرار واضح عن الموازنة من مجلس الوزراء». ويوضح في حديث لـ«الجمهورية»: «نرفض المساس برواتبنا أو بالمعاش التقاعدي أو بصندوق التعاضد، وقد تبلّغنا وجود ضريبة دخل على الراتب التقاعدي وارتفاع من 6 إلى 9 في المئة على المحسومات التقاعدية، ما يعني مساساً بالرواتب، وحسم 15 في المئة على مِنح التعليم. وهذا ما لن نرضى به».
لا ينكر ضاهر انّ بعض الجمعيات العمومية قد طالبت بالتوجّه نحو الإضراب المفتوح، قائلاً: «يساورنا الشك حول واقع الاستاذ في «اللبنانية»، كل سنة يعدوننا بمنحنا الدرجات الثلاث واحتساب الخمس سنوات وغيرها من المطالب، كإقرار ملف التفرّغ وإدخال من استوفى الشروط في التفرّغ. ولكن في المقابل «الوضع لورا»، لذا الاساتذة في حالة غضب غير مسبوقة، وما يزيد «الطين بلّة» الحديث عن الاقتطاع من المنح ومن الرواتب والتقاعد، فكيف بنا نسكت بعد اليوم؟».
وماذا عن مصير العام الجامعي ومصير أكثر من 80 الف طالب؟ يجيب ضاهر: «لا شك في انّ العام على المحك ومهدّد، وسنتابع الموضوع لمعرفة ما يمكن اتخاذه من تدابير في حال طال إضرابنا وبقيت الدولة «مطنشة» عن الجامعة».
ختاماً، يبقى مستقبل الطلاب أسير إقرار الموازنة وتحرّك أساتذتهم!