تُجمع القوى السياسية، وفي ظل استمرار المعارك العسكرية التي يخوضها «حزب الله» في جرود القلمون وعرسال، والتي اُنجز معظمها بحسم عسكري واضح بمعالمه الميدانية، على ان الملف الامني في عرسال بات اشبه بـ «حقل الغام»… بعد الضربات الموجعة والقاصمة التي وجهها «حزب الله» الذي اصبح على قاب قوسين او ادنى من ازالة «ولاية الجرود» التي شكلت نافذة للارهابيين تُطل على الداخل اللبناني.
وفي قراءة لاوساط سياسية متابعة، فان من يتحكم بفتيل تفجير «حقل الالغام» العرسالي، هو القوى الارهابية التي وقع اختيارها على عرسال لتكون ملاذها الاخير، مستفيدة من «الريق الحلو» الذي لاقته من قوى واطراف سياسية نافذة في الداخل اللبناني، في ظل وضع حكومي مأزوم يحول دون ان يُهيّىء الاجواء الملائمة التي تسمح للجيش اللبناني التعامل بحزم ومسؤولية، تجاه هذا الملف، ما يجعله خارج دائرة الحسم، فالتعطيل الحكومي، تقول الاوساط، والذي جاء نتيجة الصراع بين اطرافها، هو الذي يتحكم باي آلية قد توضع لمعالجة الخلل الامني الخطير في عرسال، وهو ملف لا يمكن ان تتولاه حكومة شبه معطلة، باتت اسيرة لموازين القوى التي تتحكم بعملها، في ضوء التعقيدات الناتجة عن ملف التعيينات الامنية، وارتباط ذلك بملف الفراع الرئاسي.
وترى الاوساط ان المشهد الحكومي يوحي بانه ممنوع التعامل مع عرسال بالجدية نفسها التي تم التعامل فيها مع استحقاقات امنية خطيرة، كما جرى في صيدا حين نجح الجيش في استئصال المربع الامني للفار احمد الاسير، اضافة الى ملف حيث عمل الجيش على تفكيك الخلايا الارهابية، وذلك بغطاء سياسي ساهم فيه «تيار المستقبل» الذي قدم قراءة لملف عرسال مختلفة عن قراءته لملفي صيدا وطرابلس، بسبب ارتباط «حزب الله» بالملف العسكري لجرود القلمون، ومن ضمنها جرود عرسال.
وتلفت الى ان «حزب الله»، ومنذ اعلن امينه العام السيد حسن نصرالله اولى اشارات معركة القلمون، من دون ان يحدد سقفا زمنيا لها، تعمد البدء بهذه المعركة، بضربات ميدانية صادمة من العيار الثقيل، اصابت بالقوى الارهابية مقتلا، من خلال اختيار الاهداف الاكثر صعوبة من الناحية العسكرية وتوجيه الضربات الاكثر ايلاما، لاحداث صدمة في صفوف القوى الارهابية من جهة، وفي الاوساط السياسية اللبنانية المنخرطة في الحملة المشوشة على دور الحزب في القتال داخل سوريا، والمشككة بقدرته على استئصال الارهابيين من الجرود القلمونية والعرسالية، لان نجاح «حزب الله» في هذه المعارك، سيُفقد اخصامه نظريتهم القائلة التي يستندون اليها في حملة تحريض اللبنانيين، بان «حزب الله» هو من استدرج الارهابيين الى لبنان، وبالتالي، فان استئصال الارهابيين من المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان، يعني انه ازال كل المخاطر التي «استُدرجها» «حزب الله» الى لبنان، وفق ما يرى فريق الرابع عشر من آذار.
وفي السياق، تكشف الاوساط نفسها عن معلومات تم تداولها مؤخرا، تستند الى تقديرات وتقارير امنية تجري متابعتها، عن ان «ألصندوق الاسود» لمجموعات «داعش» و«جبهة النصرة» وتوابعهما من مجموعات اسلامية لبنانية متطرفة، التحقت بالتنظيمات الارهابية في جرود عرسال، رُحل الى داخل عرسال، وتقول الاوساط .. من غير المستبعد ان تُثبت الوقائع الميدانية ان تكون عرسال وجرودها هي «العاصمة الفعلية» للقوى الارهابية في لبنان، بعد تحرير معظم جرود القلمون من قبل «حزب الله»، الذي يملك وثائق واثباتات دامغة عن الخارطة البشرية للارهابيين، وان الحزب، ومن خلال الاسرى الذين ألقي القبض عليهم، شكلوا مفاتيح سرية للصندوق الاسود لهذه القوى، وان معلومات مثيرة حصل عليها «حزب الله» حول خارطة الامدادات التسليحية والبشرية التي قدمت من لبنان، وبخاصة من الشمال، وان رموزا ارهابية كبيرة من اللبنانيين المطلوبين للجيش، كانوا يديرون المعارك في مناطق القلمون، باتوا اليوم داخل عرسال وجرودها، ومنهم من شارك في الهجوم العسكري الغادر على مواقع الجيش اللبناني في محيط البلدة وخطف العسكريين من عناصر الجيش وقوى الامن الداخلي، فيما تحدثت معلومات عن وجود القيادي في تنظيم «كتائب عبد الله عزام» الشيخ سراج الدين زريقات داخل البلدة، حيث يتواجد في غرفة عمليات عسكرية ارتبطت بالعمليات الارهابية التي نفذت في الاشهر الماضية بواسطة سيارات مفخخة، استهدفت مراكز الجيش اللبناني ومناطق سكنية في الضاحية الجنوبية، اضافة الى استهداف السفارة الايرانية في بئر حسن، اسفرت عن استشهاد العشرات وجرح المئات.
في مطلق الاحوال، تقول الاوساط نفسها، فان «حزب الله» حسم خياراته في ملف جرود عرسال، ويبقى على من يعنيهم الامر في الحكومة، وفي الساحة السياسية، ان يحسموا امرهم، فلا مكان في هذا الملف للمزاح ..او التكتيك او اللعب في شد الحبال لانتزاع صفقة من هنا او تسوية من هناك، طالما ان كل المعارك الجارية في المنطقة، باتت تتخذ طابعا استراتيجيا، والميدان هو الذي سيرسم المشهد السياسي الجديد… الذي سيرسو في الداخل اللبناني، وهذا ما يفعله «حزب الله» في ميدان الجرود.