Site icon IMLebanon

القرش الأبيض للجمعة الأسود

 

إنطلقت العروضات فهل تُحرّك الأسواق الراكدة قبل الأعياد؟

 

هل تذكرون منذ اعوام ليست ببعيدة كيف اختنق الأوتوستراد الساحلي بالسيارات واحتجز الناس فيه لساعات، لا بسبب كارثة طبيعية ولا بفعل حدث أمني بل لمناسبة كانت جديدة على لبنان وقتها هي البلاك فرايداي. حينها جنّ الناس وزحفوا نحو المتاجر التي أطلقت هذه الظاهرة وكسّرت اسعارها على الطريقة الأميركية، لتتحول الظاهرة بعدها موعداً سنوياً وجد فيه التجار فرصة لتصريف بضائعهم الكاسدة قبل الجديدة.

 

اليوم يعود البلاك فرايداي بخجل حاملاً خيبات اللبنانيين وساعياً الى التشبث بوهم حركة تجارية نستها الأسواق الفعلية والافتراضية، فهل من مستجيب؟

 

Black Friday ظاهرة عرفتها الولايات المتحدة منذ عقود وهي تلي خميس الشكر الأميركي وتعلن انطلاقة موسم الأعياد. هناك تحطيم الأسعار فعلي، وقد تتحطم من أجله رؤوس وتحدث معارك للحصول على اصناف بأقل من عشرة في المئة من سعرها. ولبنان الساعي دوماً الى التشبه بالغرب (قبل انطلاق نغمة التوجه شرقاً) ويعتبر “كل فرنجي برنجي”، تلقف الظاهرة متأخراً ولم تُعرف فيه إلا منذ بضع سنوات، سنوات العز الذي كان “الطابق فيها مستوراً” والناس نيام عن ثعالب الوطن ومفسديه. وعرف الجمعة الأسود نجاحاً منقطع النظير وصار موعداً سنوياً يضخ في الأسواق حركة وبركة.

 

يطل “بلاك فرايداي” برأسه اليوم حزيناً متثاقلاً وكأنه يعود من باب رفع العتب، ومعه يحاول التجار إحياء ما تبقى من تجارتهم التي تصارع الموت بعد ان رحل من رحل وأقفل من أقفل. وفي عز إجراءات التعبئة والإقفال، انتقل من أرض الواقع الى العالم الافتراضي وصار اونلاين إلا في ما ندر من محلات السوبرماركت او بعض المحال التي تستعد لتمديد عروضاتها بعد انتهاء فترة الإقفال.

 

على مواقع التواصل الاجتماعي ملأت إعلانات الـ”بلاك فرايداي” الصفحات وانهمرت العروض بما يوحي وكأن البلد بألف خير والناس لا هم لهم إلا انتظار التخفيضات. ولكن في تصفح سريع للتعليقات يتبين ان أيام الناس كلها سوداء ولا ينقصها يوم اسود جديد وأن القرش الأبيض الذي يطلبون منهم تخبئته للجمعة الأسود لم يعد له لون ولا طعم. فلماذا يصر التجار إذاً على هذه العملية التسويقية علماً أن معظم البضائع قديمة كاسدة، ومعظمهم لم يستوردوا بضائع جديدة كما اعتادوا في السنوات السابقة بسبب ازمة الدولار وعدم فتح الاعتمادات من قبل المصارف. الإستيراد تراجع وفق احصاءات الجمارك اللبنانية من19,239 مليار دولار عام 2019 الى6,112 مليارات حتى شهر تموز من العام 2020. فهل تساهم عروض التجار في تحريك السوق اللبنانية الراكدة لا سيما في موسم الأعياد؟

 

حاولنا استطلاع رأي المختصين الضالعين بالأمر حول اهمية البلاك فرايداي على مستويين: مستوى التجارة الرقمية عبر منصات البيع الالكترونية ومواقع التواصل ومستوى التجارة على الأرض وفي الأسواق ولا سيما في المتاجر الكبرى.

 

فعلية او افتراضية حركة تجارية نستها الأسواق

 

سارة عطية المسؤولة عن خدمة الزبائن في منصة Hicart التي تعتبر المنصة الرقمية الأولى لهذا النوع من التجارة في لبنان رأت ان البلاك فرايداي اونلاين أنجح واكثر فائدة سواء بالنسبة للتاجر أو المستهلك من التخفيضات العادية في المتاجر وذلك لأن تحضيره اسهل على التاجر واكثر عملية، ويجعله قادراً على الوصول الى الزبائن أينما وجدوا في لبنان واجتذاب زبائن جدد غير الذين اعتاد استقبالهم في متجره. وفي فترة الإقفال التي يعيشها لبنان حالياً يأتي البلاك فرايداي اونلاين كحل سحري لتنشيط الحركة التجارية لا سيما قبل الأعياد.

 

نسأل سارة هل الاسعار بالليرة اللبنانية أم بالدولار وكم تبلغ نسبة التخفيضات؟ فتقول: ان الأسعار حتماً بالليرة اللبنانية والتخفيضات تصل الى حدود 80%. ولكن هنا نتساءل هل يمكن للمستهلك اللبناني ان يتحمل فرق سعر الدولار حتى مع هذه النسبة المرتفعة من التخفيضات؟ لنفاجأ بأن تجربة سابقة للبلاك فرايداي قامت بها المنصة يوم 11/11 أظهرت نجاحاً كبيراً غير متوقع وتجاوزت الطلبات عشرات الآلاف في غضون 24 ساعة فقط وهو الأمر الذي شجع القيمين على المنصة على تكرار التجربة مع بلاك فرايداي وتمديدها لأكثر من يوم واحد، كما حدا بمواقع ومتاجر أخرى الى تفعيل مواقعها وصفحاتها اونلاين لنقل هذه التجربة والاستفادة من مفاعيلها.

 

ولكن ما هي الانواع التي لا يزال اللبنانيون مهتمين بشرائها في حين أن الكثيرين منهم لا يجدون سبيلاً لتأمين قوت عيشهم وأبسط متطلبات حياتهم اليومية؟ والجواب قد يكون صادماً أو مفاجئاً على أبعد حد، فتجربة التخفيضات السابقة منذ بضعة أيام، تقول المسؤولة، بيّنت تهافتاً كبيراً على شراء كل الفئات ولا سيما الإلكترونيات، الألعاب، الأدوات المنزلية، الأدوات الرياضية ومواد التجميل.

 

غريب أمر الشعب اللبناني حقاً، ففي حين يشكو من الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية ويخشى رفع الدعم عنها تراه، او على الأصح ترى بعضاً منه، يتهافت على اقتناء الكماليات، وكأنه يخاف ألا يعود قادراً على اقتنائها في مستقبل قريب تصبح فيه حلماً بعيد المنال.

 

وقد أخبرتنا إحدى المسؤولات عن قسم مواد التجميل في شركة كبرى أن البيع تضاعف في خلال فترة الحجر الأخيرة. فالسيدات اللواتي يشعرن بالملل في المنازل انصرفن الى الاهتمام بجمالهن والعناية ببشرتهن. وتؤكد المسؤولة أن telesales او البيع عبر الهاتف ومن خلال الطلب المباشر تضاعف بالنسبة لهذه المواد خاصة مع العروضات التي تقوم بها الشركة لا بشكل علني على طريقة البلاك فرايداي إنما بالتوجه الى زبائنها فرداً فرداً عبر رسائل نصية خاصة تلقى تجاوباً كبيراً من الزبائن يبقى اقل من تفاعلهم المتوقع في المحلات.

 

في السبينس بلاك فرايداي واضح المعالم والعروضات تملأ مختلف الأقسام. عجقة الناس كبيرة وغير متوقعة في فترة تعبئة. العروض جذابة على الرغم من أنها لم تتخط 20% على بعض السلع والزبائن يسألون ويدققون ويقارنون الأسعار، فالكل يحن الى اسعار ألفها سابقاً ولم يتكيف بعد مع جديدها ويبحث عله يجد في العروضات ما يعيده إليها. نسأل رالف القاعي المدير التنفيذي للتسويق في شركة Spinneys عن الحركة التي يتوقعها من Black Friday فيقول لطالما شكلت هذه الظاهرة دفعة مهمة لمساعدة الشركات في زيادة مبيعاتها قبل نهاية العام ولطالما انتظر المتسوقون أيضاً هذا اليوم للاستفادة من الحسومات المهمة والتسوق قبل موسم الأعياد. ولكن للأسف أطل Black Friday هذا العام بشكل مختلف عالمياً بسبب فيروس كورونا وعمليات الإغلاق إضافة إلى الازمة الإقتصادية محلياً وتراجع القدرة الشرائية عند اللبنانيين. رغم كل ذلك، يبذل تجار التجزئة المحليون قصارى جهدهم للتعافي من الأزمة واستعادة ما فقدوه خلال العام المنصرم وتقديم أفضل العروض الترويجية لديهم خاصة أونلاين ومن خلال مرافق التوصيل المنزلي.

 

نسأل القاعي كيف تتوقعون ان يكون الاقبال من المستهلكين في ظل كورونا والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان؟: كان السوق يفتقر للعروض اللافتة مؤخراً بشكل صارخ بسبب الإغلاق والنقص في المواد وعوامل أخرى مرتبطة بالأزمة التي نعيشها يجيب قاعي. لذلك يحاول الجميع استغلال Black Friday للترويج لبضائعهم او منتجاتهم الخاصة من خلال عروض مغرية على أمل أن تجذب المتسوقين. من جهتنا ستصل الحسومات إلى 70% على منتجات متعددة الأمر الذي سيشجع المواطنين على الاستفادة من هذه العروض الحصرية والتسوق لموسم الأعياد. وستغطي عروض Black Friday مختلف الفئات الموجودة في متاجرنا مع تركيز أساسي على الفئات الخاصة بالأعياد كمجموعة المنزل، الأجهزة الإلكترونية، الألعاب، الديكور والكحول وحتى البقالة والتي تعد نقاط الجذب الأساسية في جميع أنحاء العالم في هذا اليوم استعداداً لموسم الأعياد.

 

السوبرماركت والمحال التجارية الكبرى التي لا تزال تكافح على الأرض للاحتفاظ بزبائنها يصعب عليها هذا العام مواكبة البلاك فرايداي في موعده في ظل الاقفال العام لذا توجه معظمها الى الحل السحري او البيع أونلاين. لقد غير عام 2020 كل المقاييس، محلياً ودولياً، وأصبح التسوق اونلاين يقول قاعي حاجة حيوية اعتادها المتسوقون. وتدابير السلامة والإجراءات الوقائية التي تم وضعها بداية آذار دفعت الناس نحو تجربة التسوق اونلاين وباتت جميع المتاجر من صغيرها الى كبيرها لديها تواجد رقمي. حتى وإن فضل المتسوقون شراء منتج في المتجر، سيقومون بالبحث عنه أونلاين اولاً. لذا نحن نقدم عروضأ ترويجيةً حصرية متوافرة فقط أونلاين على منصتنا المتقدمة للتجارة الالكترونية وتطبيق الهاتف وهذا ما ساعد على إنجاح تجربة البلاك فرايداي واتاح للناس الاستفادة من العروض وهم جالسون في منازلهم يبحثون عما يسليهم.

 

نسخة باهتة

 

مع انقضاء اليوم الأول لعروض البلاك فرايداي، جولة على الأرض تظهر لنا حقائق لا يمكن إنكارها، صحيح أن هذا النهار قد حرك الأسواق لكن النتيجة تبقى ضعيفة جداً مقارنة مع السنوات السابقة قبل 2019 وكأنه نسخة باهتة عن تلك الأيام. حينها كان البائعون لا يجدون ثانية للراحة، الزبائن يملأون الأروقة والمبيعات تفوق المنطق. اليوم الاسئلة كثيرة اما حركة الناس فاعتيادية واقل منها حركة البيع. وحدها بعض الأقسام تشهد حركة غير عادية فزينة الميلاد مثلاً لا تزال تثير الحنين في قلوب الناس وتجتذبهم لشراء جديدها بعروض او بغير عروض، اما المفاجأة الكبرى فهي المشروبات الروحية التي تشهد إقبالاً منقطع النظير. هنا الناس متجمهرون يسألون يشترون ويعبئون السلال. نعرف من مسؤولة القسم ان بيع المشروبات الروحية ازداد منذ إعلان الحجر ولم يتوقف طوال هذه الفترة وهو يزداد اليوم مع اقتراب موسم الأعياد. فهل وجد الناس في المشروب سلوى لهم في حجرهم ام مهرباً ينسون معه ما آل إليه واقعهم؟

 

بحبال الأمل يتمسك اللبناني وبوهم الفرح الآتي يمنّي النفس، وعلى الرغم من صعوبة العام المنقضي يتشبث بعادات تعلق بها. بمرونته وقدرته على المقاومة والتكيف مع الأوضاع يبذل قصارى جهده للتمسك بالفرح والاحتفال بموسم الأعياد القادم، على أمل الا يسرقوا منه الأمل.