ما يجري حالياً في دول الشرق الأوسط مأساة تنبئ بمستقبل أسود للأجيال الشابة فيه. وهو أيضاً خطر كبير على الغرب الذي يواجه اليوم مأساة إنسانية واجتماعية من جراء هجرة أو لجوء أشخاص معظمهم من دول تشهد حروباً وفوضى كارثية. وأوروبا لا تعرف كيف تواجه المشكلة. فسوء الأحوال المعيشية يسود في معظم دول الشرق الأوسط. إن نظرنا إلى لبنان في الأيام الأخيرة، رأينا في التظاهرات الشعبية غضباً ومطالبة محقة من الشعب الذي شارك في المسيرة بأدنى متطلبات العيش الكريم في بلده، من كهرباء إلى إزالة النفايات إلى مكافحة الفساد ومحاسبة كل الطبقة المسؤولة. وإن نظرنا إلى سورية فسبب الحرب فيها كان مطالبة شعبية محقة بمكافحة الفساد وبالحرية. ورد عليها بشار الأسد بالعنف والقتل واستخدام طيرانه وبراميله القاتلة. وإذا نظرنا إلى العراق رأينا بلداً كبيراً كاد يكون غنياً وأصبح فقيراً على وشك التفكك والإفلاس والفساد ورئيس حكومته بدأ يحاول الإصلاح ولكن النتائج لم تظهر بعد لعمق تفشي الفساد. وإن نظرنا إلى ليبيا فالبلد يتمزق ويعيش تحت رحمة الميليشيات المسلحة والفوضى فيه أكثر مما كانت في عهد القذافي الذي هو سبب مآسي شعبه حالياً كونه لم يعمل إلا لفرض سلطته من دون بناء مؤسسات الدولة مكتفياً باللجان الشعبية للتصفيق لنفوذه. واليمن الذي يعيش حرباً دامية بسبب فساد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والتدخل الايراني الذي حاول إنشاء «حزب الله» آخر في اليمن. ويشهد فقراً وبؤساً لا مثيل لهما منذ عقود، بينما جمع صالح الملايين له ولعائلته لحماية نفوذه على حساب مصلحة شعبه. وباقي الدول مثل تونس تعاني غياب الأمن واقتصاداً مأسوياً، والجزائر رغم أنها في وضع امني مستتب نوعاً ما بسبب سيطرة المؤسسة العسكرية على الاوضاع مقبلة على أيام أصعب مع أسعار نفط منخفضة. فعائداتها ستتقلص ولن تعود كافية لشراء موافقة الشعب على نهج العسكر الذين أهملوا بناء اقتصاد واعد على حساب مصلحتهم في ظل فساد استمر لعقود. وفي الأراضي الفلسطينية يعيش الشعب ألم الاحتلال الاسرائيلي وعدم المحاسبة الدولية لنتانياهو. إضافة إلى تآكل نظام السلطة الفلسطينية مع رئيس وصل إلى نهاية عهده وهو يعتمد نهج فرق تسد وتشديد المراقبة على من يعارضه ورغبة في توريث السلطة إلى المقربين منه مع فساد متفش. ونظام اسرائيلي تمكن من تقسيم الفلسطينيين وإضعافهم، فمن جهة يفاوض «حماس» في غزة ومن جهة أخرى يطالب السلطة الفلسطينية بالقيام بإجراءات أمنية ضد «حماس» في الضفة. أما مصر المعروفة بأم الدنيا فما زالت تعاني من اوضاع اقتصادية رديئة مع فقر وبؤس شعبي واسع رغم المساعدات المالية الخارجية. والاردن يعاني من تراجع كبير في السياحة نتيجة أوضاع متدهورة في المنطقة مما يؤثر على آلاف موظفي الفنادق والشركات الكبرى ويزيد البطالة ويؤثر على الظروف المعيشية التي تشهد غلاء متزايداً.
فمستقبل الشباب في جميع هذه الدول محكوم بالتشاؤم. وذلك إما بسبب وجود رئيس يتمسك بمنصبه ولم يهتم يوماً بمصير شعبه ولا بتنمية بلده والعمل على تحسين ظروفه. او لأن أنظمة هذه الدول بقيت طويلاً من دون محاسبة إلى ان انفجر غضب الشعب في وجه مسؤوليها وطبقتها السياسية، كما يشهده لبنان. فكيف يقبل المنطق ان بلداً مثل لبنان يبقى لعقود من دون كهرباء ومن دون حل لطمر النفايات ثم إنشاء معامل لتحويلها، فالكل مسؤول والشعب أيضاً لانه انتظر طويلاً قبل ان يثور من أجل أدنى المطالب. إن الفساد متفش في لبنان اينما كان وليس فقط في الطبقة المسؤولة ولكن في الشعب نفسه. فلولا فساد الشعب لما انتخب اللبنانيون المسؤولين عن مآسيهم. ولكانوا حاسبوهم مثلما تتم محاسبة السياسيين في الديموقراطيات الحقيقية.
إن يقظة الشعوب العربية تتم حالياً في الفوضى والعنف في بعض الدول مثل سورية والعراق واليمن. والخوف هو ان تتفكك هذه الدول ويكثر اللجوء والهجرة إلى اوروبا والغرب مع انتقال المشاكل والبؤس إلى دول ستجد نفسها مجبرة على إغلاق حدودها وإلا انتقلت عدوى بلدان الهجرة إليها. فمستقبل الاجيال الصاعدة في الشرق الاوسط مهدد بالتطرف والعنف وغياب العلم والثقافة.