«نفطنا لنا». ليس الأمر مضموناً في ظل الضبابية والجمود اللذين يرافقان إدارة القطاع. سمع اللبنانيون بشارة وجود النفط في مياهم الإقليمية، لكنهم منذ ذلك الحين صاروا يسمعون أخباراً عن خلافات سياسية أو تقنية أو مالية أدت في النهاية إلى إيقاظ كل الحالمين بمستقبل أفضل، ليتبينوا أن المراوحة وحدها هي التي تحكم القطاع.
«نفطنا لنا»، هي محاولة من «السفير» لوضع الأصبع على الجرح ولتبيان حقيقة ما يجري في القطاع الأمل. ندوة افتتحت أمس بالتعاون مع الجامعة اللبنانية بمشاركة نخبة من الخبراء العرب واللبنانيين، وتنتهي اليوم بتوصيات، يؤمل أن تشكل خارطة طريق للقطاع علها تكون بداية إخراجه من كبوته التي طالت لأكثر من سنتين.
في اليوم الأول، بدا جلياً أن الأمر ليس سهلاً. لا رؤية أو سياسة نفطية للدولة اللبنانية. مجرد قانون أقر في العام 2010، بمعزل عن الدراسات الفنية التي أجريت بعد ذلك التاريخ، ينص على صندوق سيادي. أما التنمية ومواجهة البطالة وتأمين مستقبل أفضل للأجيال، فتلك أمور لا يمكن حسم اتجاهها، وتحتاج إلى استراتيجية واضحة. لكن ذلك لم يكن وحده ما ظهر أمس. بدا الشرخ كبيراً في الآراء، لاسيما في ما يتعلق بالشركة الوطنية ونظام تقاسم الموارد بين الدولة والشركات والحوكمة وكيفية تأمين الشفافية..
دافع رئيس هيئة إدارة البترول كابي دعبول كثيراً عن قانون النفط. وكذلك فعل عضو الهيئة وسام الذهبي. اعتبراه الركيزة الأصلح لإخراج النفط اللبناني إلى النور. أكدا أن البدء بالتنقيب هو أولوية مطلقة تعلو على كل الأولويات والملاحظات. لكن ذلك، لم يكن رأياً جامعاً بين المشاركين في الندوة فحسب، بل بين أعضاء الهيئة نفسها. عضو الهيئة ناصر حطيط أكد ذلك صراحة في مداخلته، عندما دعا الذهبي إلى عدم طرح معلومات غير دقيقة.
جبهة الرفض لطريقة إدارة القطاع حتى الآن كانت كبيرة. من الوزير السابق جورج قرم إلى الخبراء نقولا سركيس وربيع ياغي وفؤاد جواد، وصولاً إلى ياسر عكاوي وسامي عطالله بدا جلياً أن القطاع بحاجة إلى نفضة حتى قبل أن يولد.
توافق الجميع على أهمية الشركة الوطنية، وفيما دافع الذهبي عن شرط إنشاء الشركة في المرحلة التي تلي التنقيب عن النفط وتبيان وجود كميات تجارية، أصر الخبراء الآخرون على مبدأ إنشاء الشركة أولاً. فهي حجر الأساس للقطاع، إذ يسمح وجودها بتحول لبنان إلى شريك في التنقيب والاستكشاف، كما يسمح بمراقبة فعلية لعمل الشركات الأجنبية. والأهم أن وجودها لا يرتبط بالتنقيب فقط إنما يطال مختلف الأنشطة البترولية، كما يشكل خطاً حاجباً للتدخلات السياسية في المواضيع التقنية، خاصة أن هيئة البترول هي هيئة إدارة لا قدرة لها على الرقابة على أعمال الشركات.
الشركة الوطنية تقطع الطريق على استمرار الفضائح التي رافقت العروض التي تقدمت بها ائتلافات الشركات. والتي تبين بنتيجتها أن 3 شركات لا يتعدى رأس مالها الالف دولار، علماً انه تردد في حينها أن 8 شركات قدمت نفسها لشركات الخدمات العالمية، محاولة إغلاءها للتحالف معها بوصفها «لها علاقات بالسياسيين اللبنانيين». أما الحديث عن مراقبة الشركات المؤتلفة لبعضها البعض، فذلك أشبه بالنكتة بالنسبة للبعض، خاصة أنه يبدو أكثر منطقياً أن تتفق هذه الشركات على الدولة لا العكس.
كثيرة كانت الاعتراضات على مبدأ المشاركة في الارباح، لم تنفع معها التوضيحات بأن القانون ينص على تقاسم الانتاج. المراسيم التطبيقية تفرغه من مضمونه، لان تقاسم الانتاج يعني أن تشارك الدولة في وضع خطة التطوير ووضع خطة الانتاج وخطة التسويق، وهي أمور غير متوفرة في النصوص الحالية، أضف إلى أن الدولة وبالرغم من مشاركتها في لجنة الإدارة إلا أنها ستشارك بصفة مراقب فقط من دون قدرة على التصويت.
في القانون لا فصل بين التنقيب والانتاج، وهو ثغرة تحتاج إلى معالجة. ففصل الأمرين عن بعضهما يسمح للدولة، بحسب الخبراء، عبر الشركة الوطنية، بالتنقيب عن النفط وإعطاء تصور أدق عن المخزون النفطي، بما يشجع الشركات العالمية للدخول إلى القطاع على أسس واضحة. أما الحديث عن كلفة عالية للتنقيب لا قدرة للدولة عليها، فيرد عليه الخبراء من خلال اتجاهين، الأول يؤكد أنه يمكن التعاقد مع شركات عالمية تنقب على حسابها وهو ما يجري في عدد من البلدان، والثاني يشير إلى أن صرف 100 مليون دولار يبقى أفضل بكثير من خسارة مليارات الدولارات. فتوقيع اتفاقات تنقيب واستخراج بدون وجود معطيات واضحة يرفع نسبة أرباح الشركات، فيما التنقيب والتأكد من وجود النفط يسمح للدولة بفرض شروطها.