IMLebanon

السوق السوداء

 

 

يوم تمادى الصرّافون، أو كبارهم، في لعبة رفع سعر الدولار بـ”شفطهم” العملة الخضراء من السوق المحلية بأسعار مغرية، والتمنّع عن بيعها للعامة من الناس، إستنفرت الأجهزة الأمنية، وقبضت على باقة من الصيارفة وأقفلت محالهم، كما لاحقت الصرّافين المتجوّلين وجلّهم من الطارئين على هذه المهنة، وتوج الأمن إنجازه بتوقيف النقيب محمود مراد في العاشر من أيار وأحاله إلى التحقيق ومعه سيق عدد من تجار الصرافة لاستجوابهم حول تورطهم في التلاعب بالدولار ما تسبب في ارتفاع سعر الصرف إلى مستويات غير منطقية مقابل الليرة اللبنانية. بعد نحو 20 يوماً من التوقيف عاد مراد إلى الحرية باتفاق على التزام الصرافين بتسعيرة يحددها مصرف لبنان.

 

مرّت ستة أشهر على تلك الواقعة، وبمرور الوقت ما عاد أحد يأتي على ذكر من كرّسوا في البلد سوقاً موازية، لها أقطابها ومفاتيحها وشبكة عملائها في المناطق كافة كما أن “موتسيكاتها” حاضرة لخدمتك. تريد أن تصرّف الف دولار أو 500 أو 100، يصل إليك مندوب أبي ربيع إلى “كعب” البناية في ربع ساعة، لإتمام العملية.

 

ولا يظنن أحد أن معاوناً في الشرطة القضائية، أرسل إليه ابنه من دبي حفنة من الدولارات الطازجة، سيحملها كإبن دولة إلى صرّاف فئة A أو B كي ينقده نصف ما سيحصل عليه من عملتنا الوطنية في السوق السوداء، أو أن نائباً في المجلس النيابي يمكنه أن يشي بمفتاح انتخابي، يشتري شيكات نقداً ويودعها في مصرف صديق لبيئته.

 

يفتح مصرف لبنان في العاشرة صباحاً الدولار الأميركي على سعر 1510 للشراء و1518 للمبيع بسعر وسطي 1514 ليرة. المركزي صاحب مبدأ. والجميل في الأمر أن البنك لا يبيعك ولا يشتري بسعر المركزي، لا في أوقات الدوام ولا في أي وقت فيما تعمل السوق السوداء 7 أيام في الأسبوع، و24 على 24 مع خدمة “دليفري”. أي تكة تفتح عينيك أو أذنيك ستقرأ وتسمع أن الدولار فتح على 7425 شراءً و 7475 للمبيع، سوق منتظمة، يديرها أشباحٌ ديناميكيون مرنون محبون يفهمون عليك ويريحون بالك.

 

يشكر اللبنانيون، بسوادهم الأعظم، الله عزّ وجلّ على أمرين عظيمين: “أكاديمية الإنسان للحوار والتلاقي” و”الاسواق السود” ومنها كما أسلفنا: سوق سوداء للدولار وإليها يضاف سوق سوداء لعلف الأبقار والدجاج المدعوم، وسوق سوداء للمازوت، وسوق سوداء للذهب، وسوق سوداء للمساعدات، سوق سوداء للبَيض، سوق سوداء للطوابع المالية وسوق سوداء للقرود السود.

 

ويعتقد اللبنانيون أنّه “ما في نهار بيروح وبيجي متلو” إلاّ أيام “السوق العمومي”… ها قد عادت.