في شهر أيار من العام الفائت إدّعى النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم على نقيب الصرافين بتهمتي التلاعب بالعملة المحلية ومخالفة تعاميم مصرف لبنان المركزي، وذلك عقب تجاوز سعر صرف العملة المحلية أربعة آلاف ليرة مقابل الدولار. لاحقاً حدد مصرف لبنان سعر الدولار عند الصرّافين بهامش يتراوح بين 3850 و3900… لإعادة الأمور إلى نصابها ولا يزال السعر هذا ثابتاً في النشرات الإقتصادية وعلى الورق فقط، كما السعر الرسمي للدولار المحدد وسطياً بـ 1507,5. بدلاً من يؤدي تحديد قيمة الدولار لدى الصرّافين إلى ضبط التعاملات وتلاشي السوق الموازية واقتلاعها، صارت الأسواق المالية الشرعية، والمراجع الكبرى، والقوى الفاعلة والمفعول بها تترقب، كما سائر المواطنين إفتتاح السوق صباحاً وإقفاله مع “دغوش الدني”، سوقاً فالتاً من عقاله وأخلاقه كما سوق البغايا.
السوق السوداء، أو الـ black market تعريف يُطلق على الأسواق غير الرسمية أو غير المرخصة المتعلقة بكل ما يباع ويشترى من سلع أو خدمات، وتنشأ نتيجة لأسباب أو قرارات إقتصادية خاطئة. إنه التعريف الأكثر دقة بين عشرات قرأتها بعيني من لا يعرف الفارق بين مؤشر داو جونز الصناعي وإنديانا جونز الأركيولوجي. لطالما اعتقدت أن داو هو الشقيق الأكبر لإنديانا.
وعادة ما يتم العمل في الأسواق السوداء بعيداً عن الرقابة والجهات الرسمية، وبما أن الجهات المسؤولة في لبنان منشغلة في قضايا استراتيجية وميثاقية شائكة، فالفئران سارحة والرب راعيها.
بعد الدولار والدواء، بدأ التداول في غالون البنزين سعة 8 ليترات في السوق الموازية، ويتراوح سعره بين 180 ألفاً و200 ألف ليرة. مش حق النطرة على طابور الـ”مدكو”، أما المازوت فينتظم سوقه الأسود تباعاً، وكذلك الغاز، وقريباً سيجد المستهلك اللبناني في السوق قوارير صغيرة معبّأة من البلوك رقم 4، وتُباع كقوارير تذكارية مع توقيع جبران باسيل على بطن القارورة.
كل قرار تتخذه الدولة في وقت فراغها الطويل يعزز السوق السوداء. وسيأتي يوم، ليس ببعيد، سيجد فيه المواطن نفسه واقفاً بالصف لشراء ربطة الخبز الأبيض من السوق السوداء، والجبنة البيضاء من السوق السوداء، واللبن والحليب والعدس الأبيض من السوق السوداء حتى البيض، ما يوسع خيارات المواطن بين بيض على سعر المنصة وبيض على السعر الرسمي وبيض على سعر السوق السوداء.
قرارات الدولة الخاطئة والمتلاشية، يمكن تصحيحها بـ” كودرة” العاملين في السوق السوداء بأطر نقابية، فيوافق وزير العمل الجديد على تعزيز الجسم النقابي بنقابة للمهرّبين، وأخرى للمحتكرين، وثالثة لكل بائع حرّيف على أي رصيف.