لا يتورّع اللبنانيون عن سرقة بعضهم البعض، وكأن سرقة أولياء أمورهم لهم لا تكفيهم. وحتى لا نقع في التعميم، هناك فئة من اللبنانيين لا يهمها إلا البحث عن سبل للسرقة بما يتوافق مع الظروف.
والواضح أنها تعتبر الأمر طبيعياً، وإلا كيف نفسر هذه الشراكة بين من يسرقون المال العام والخاص، سواء كانوا من أهل السلطة أو من التجار والمحتكرين الكبار، أو أصحاب دكاكين صغيرة تحضر السوق فتبيع وتشتري، وتساهم وفق حجمها في قوننة سرقة اللبنانيين. وليس أدل على ذلك، إلا تبرير صاحبة دكان يبيع منتجات تطلبها العاملات المنزليات ويحول الأموال ويصرف الدولار. فالسيدة المصون كانت تصر على شراء الدولار بألفي ليرة أقل من سعر الصرف المعلن. وعندما سألتها عن السبب أجابت واثقة متعالية، بأن السعر المرتفع يباع في السوق السوداء…
وأنت تشترين وتبيعين وفق معايير السوق البيضاء؟ سألتها.
فردت بثقة أكبر: نحن سوق سوداء رسمية للتجار وليس للصرافين غير الشرعيين.
ولا عجب، فاللصوص مقامات، وفي جميع القطاعات الحيوية ينبغي التمييز بين ما هو شعبي وبين ما هو Classe، كما هي الحال مع السيدة المصون الحاضرة للتباهي بسوقها السوداء الـ Signé.
ومن لا يجيد التمييز بين المقامين في نهب المواطن، لا يستحق حتى التعامل معه.
ذلك أن الشكاوى والاحتجاجات في لبنان لها مقاماتها وخصوصياتها، فإذا اعترض مواطن على ثمن سلعة ما، يسارع التاجر إلى تذكيره بأن دكانه يقع في منطقة راقية، ما يعني أن عليه أن يدفع أكثر من أخيه المقيم في منطقة شعبية. والا لا يستحق الشراء والتمتع بالإقامة في نعيم هذه المنطقة.
واللبنانيون راضخون، يدفعون بالتي هي أحسن، ولا يقاطعون التجار الجشعين وسلعهم الخاضعة لبازار الاحتكار بالتسلسل، إن كانوا يحتلون المرتبة الأولى العالمية في الغضب، على ما صنفتهم أحدث الدراسات.
بالتالي، فإن هذا الغضب يبقى عقيماً غير منتجٍ وغير كافٍ لكسر الحلقة المتماسكة للفاسدين المتحكمين بعملية النهب الممنهج. وهو لا ينفع ما دامت نسبة وازنة من هؤلاء الغاضبين أعادت انتخاب من يكرس استمرار «الأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان المسؤولة عن دفع معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان». كما عرَّفها المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، قبل شهر ونيف.
هنا ربما تجدر محاسبة هؤلاء اللبنانيين الذين يكتفون بـ»النق» عوضاً عن القيام بواجباتهم كمواطنين، إن لجهة اختيار ممثليهم، أو لجهة التواطؤ مع السلطة القائمة على الأضعف منهم، مساهمين «بدمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع، ولكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك».
إلا أنه كذلك، وعلى دي شوتر أن يتعمق أكثر في القماشة الخاصة لهؤلاء الذين يساهمون من حيث يدرون أو لا يدرون على «إخفاق من هم في القاع»، بما يشكِّل «نقصاً خطيراً في آليات الحماية الاجتماعية القوية».
ما لم يلاحظه المسؤول الدولي ويورده في تقريره، هو استعانة الفاسدين من أحزاب السلطة بشراكة قذرة مع فئة من اللبنانيين، سواء كانوا Classes أو شعبويين. وكل ميزتهم أنهم حاضرون لتسهيل مخططات النهب والمحاصصة… ونيال من فاد واستفاد…