يُسارع تمّوز باتّجاه الأيام الأخيرة منه ويبدو أنّ أيلول سيطبع الخريف اللبناني بالحماوة على جميع المستويات فانتظارنا موعد مع الدّستور لتحديد أوّل جلسة لانتخاب رئيس للجمهوريّة من دون أسماء مرشّحة حتّى الآن ولكن، أغلب الظنّ أنّ حال انتخاب الرئيس لن يكون بأفضل من حال المراوحة الذي يطغى على عمليّة تشكيل الحكومة المعلّقة، بانتظارنا خريف ضبابي وحار ولا أفق جدّياً للأمور وما ستؤول إليه أحوال البلاد السعيدة حتى الآن!
الثّابت لبنانيّاً وحتّى اللحظة أنّنا عالقون في نفس أزمة تعطيل الحياة السياسيّة وفرض نمط حكومات تتشكّل بالإكراه لأنّه ليس صحيحاً أبداً ولا بأي شكل من الأشكال أنّ الحكومة هي “مؤسسة لترجمة الوفاق الوطني وإدارةِ شؤون الدولة تحت سقف القانون والعدالة والدستور والعيش المشترك” لأنّ هذه السيناريوات تفترضها أو تفرضها النّصوص التي جرى تفريغها من مضمونها والمعطّلة بقوة الاحتلال وبقوة بدعة التعطيل الميثاقي، منذ اخترع الاحتلال السوري للبنان بعد حرب السنتين بدعة “حكومة وفاق وطني” أو “حكومة وحدة وطنيّة” أو مهما كانت تسميتها عندما كان الاحتلال شريكاً في تشكيل كلّ الحكومات وفرضها بالقوّة، وبالمناسبة ليس صحيحاً القول إنّ “مجلس الوزراء ليس ساحة لتصفية الخلافات السياسية أو للانتقام”، لأنّنا ومنذ العام 2006 نعيش على موائد تعطيل كلّ الحكومات التي تمّ تشكيلها بطريقة ما!
نحن أمام نماذج سياسيّة انتهازيّة تتسلّط على حياة اللبنانيّين ولا ينفع مع هؤلاء الحديث عن الانزعاج والاستياء ولا سواها من مصطلحات التعبير عن الحال الرّديء الذي وصلت إليها الأمور، ليس هناك أدنى شكّ بأنّ هذا العهد هو أسوأ العهود التي مرّت على لبنان لأنّ هذا العهد حكّم تعنّت ومصالح الصّهر المدلّل برقبة البلاد والعباد تاركاً البلاد تغرق في جحيم العبث السياسي الذي نعيشه، ربّما حان الوقت للقول لقد فقدت رئاسة الحكومة نهائيّاً دورها الذي نصّ عليه اتفاق الطّائف منذ عمد فريق سياسي إلى تمريغ أنفها في وحول الحكم وإضعافها إلى حدّ بتنا نترحّم فيه على رؤساء حكومات ما قبل الطائف!
وعدم انتظار أي تحسّن يطرأ على الوضع مهما كان طفيفاً يساعد اللبنانيّين على الاستمرار، عدم الانتظار ينقذهم من الإحساس بالخيبات المتتالية من دولة تعدهم ولا تفي، فقد المواطن اللبناني ثقته نهائيّاً بكلّ الشعارات الحكومية والسياسيّة، لم تعد النّاس تحتمل هذه المهازل والاستهتار والعيش على هذا المنوال من القلق ومن المؤسف أنّه لا يوجد مسؤولون يأخذون البلد على محمل الجدّ ويقدّرون خطورة الصورة التي تركوها في أذهان العالم، وأنّ حدود غاياتهم هي تناتش السلطة والتكالب على الحصص من دون أدنى اكتراث للحال الذي بلغه الشعب، هذا الذلّ الذي يطارد اللبنانيين في مشاهد الطوابير مخيف جداً والأكثر خوفاً منه السكوت عليه وأخطر من الاثنيْن تحوّل نصف الشعب إلى تجّار سوق سوداء!!