Site icon IMLebanon

الليل الأسود بين الرينغ والخندق الغميق

 

هاجموا “الثورة” وحطَّموا ما طالته أيديهم

 

حين نزل “الثوار”، ليل الأحد – الإثنين، الى جسر الرينغ وراحوا يهتفون “تسلم يا عسكر لبنان يا حامي استقلالنا” لم يتوقعوا أن يأتي، من ضفةٍ مقابلة، من جهة الخندق الغميق، من يهتف “شيعة شيعة” رافعاً عصاه بيد والحجارة باليد الأخرى وكثيراً من “فائض القوة” والغضب.

مشهدية مؤلمة جداً إستفاق عليها اللبنانيون، ولا سيما أبناء وبنات المناطق المحاذية لجسر الرينغ، بكثير من السخط. لماذا حصل ما حصل؟ غضب الشيعة؟ وهل غضب الشيعة غير غضب الموارنة والسنّة والأرثوذكس والدروز؟ هل غضب الشيعة، أو لنقل بعض الشيعة، يستلزم الإنتقام من أصحاب السيارات والمحال والزجاج و”كابينات”الهواتف العامة؟

 

“بدنا نسترجع الوقت المنهوب”. هو شعارٌ راق الى من هُدر عمرهم وهم ينتظرون دولة وعدالة ونزاهة. هؤلاء آمنوا دائما أن الوقت من ذهب وإذا لم يُدركوه ذهب. لكن، أحيانا، يكون وقع الوقت قاسياً جداً كما ذاك المساء. جسر الرينغ زفته أسود. والسير خفيف. نمشي في الحنايا، في الشوارع المتفرعة من الجسر نحو كاتدرائية مارجرجس المارونية. ندخل الى “الصيفي فيلاج”. نمر في شارع دباس. صوت الزجاج يشتدّ تحت الأقدام. السيارات المركونة أكلت نصيبها من اعتداءات متظاهرين رفعوا الأعلام الصفر والخضر. هم محسوبون على حزب الله؟ على حركة أمل؟ هل من يتبنى حراكهم الأسود؟ الثابت الوحيد أن هؤلاء أتوا من الخندق الغميق وغادروا الى الخندق الغميق. و”خرطشوا” على الجدران الجميلة النظيفة، أو التي كانت جميلة نظيفة: نبيه بري خط أحمر. وحزب الله. والسيّد حسن نصرالله. وشيعة شيعة.

 

كرّ وفرّ لم يتبناه رسمياً أحد. ثلاثون مركبة، أربعون، أكثر… لا أحد قادر أن يحدد بدقة عدد السيارات التي “نُكّل” بها نكاية بالثوار. وذنبُها الوحيد أن أهلها يسكنون في مناطق مصنفة للأغنياء. رجال أمن يمسكون بأوراقٍ ويدونون معلومات حول الأضرار. تأخروا قليلا. النائب العام الإستئنافي القاضي غسان عويدات كلّف الأجهزة القضائية والأمنية التحقيق بما حصل. اللواء محمد خير تفقد الأضرار. لماذا؟ هو سؤالٌ من مواطنٍ ما زال صدى تحطم الزجاج في الأرجاء يطنّ في أذنيه مستطردا: ليش معا الدولة، التي تشحذ علينا، تاكل؟

 

الوجعُ كبير. نعدّ السيارات المحطمة. نراقب المواطنين وهم ينظرون الى أشكال وأنواع الحطام. تلتقط عيوننا تحذيراً: ممنوع الوقوف إحذر اللاقط. تُرى هل التقط هذا اللاقط أسراراً من ذاك المساء؟ سيارة مرسيدس خضراء رقمها 488711 بيروت “فارطينها” تهشيماً وتحطيماً. واجهات محال مقبل، الذين يسكنون في شارع دباس منذ ستين عاما، حُطمت. وأحد أصحاب المحال الذي يسكن في المبنى المجاور حاول “تخليص” مركبته فهاجموه. ركض. هرب. وأقفل بوابة حديدية ضخمة وراءه. فوقفوا وراءها وراحوا يرمونها بالحجارة. محل نبيذ إيطالي “ريمو ميرو” حُطمت واجهاته ونُهب. شبان مهاجمون حطموا ونهبوا ما طالته ايديهم. أصحاب المحل إيطاليون وطفلهم “أرشيميد” يكاد “يطير” من الخوف من مشهد الأحد. ووالدته تصرخ بالإنكليزية:

 

No Thawra… No Thawra

 

باتت المرأة الإيطالية تخشى من “الثورة” وهي التي لم تستوعب ما حصل ولماذا حصل وهي تراقب من منزلها، من الطبقة الثانية فوق المحال، سيارتها تتحطم ومحلها يتحطم والأمل بغدّ قريبٍ أفضل في لبنان يتحطم. تسعة أو عشرة رجال يمرون في الجوار، يتفقدون الأضرار. هم يُمثلون منسقية بيروت في “القوات اللبنانية” يرافقهم النائب جان طالوزيان. دانيال سبيرو، رياض عقل، وآخرون يراقبون ويكادون لا يصدقون. صعبٌ جدا أن يصدق إنسان أن “شباباً” قادرون أن يضربوا يميناً ويساراً، بقصدِ الإيذاء، كما فعل هؤلاء الشباب الآتين من الخندق الغميق.

 

من سيُعوّض على المتضررين؟ سؤالٌ يطرح. شركات التأمين؟ يأتي الردّ سريعا من شركة تأمين: “نحن وسوانا لا نغطي كل الأضرار التي تنجم عن أعمال إرهابية وتشمل التظاهرات والعصيان المدني. وهذا ليس قانوناً لبنانياً بل دولياً”. يبدو أن مسألة التعويض محسومة: لا تعويض.

 

هناك، في الأرجاء، همس عن قرارٍ شبه نهائي أبلغه الجيش اللبناني الى المتظاهرين: ممنوع إقفال الطريق. ننتقل الى شارع مونو، المطل على منطقة الخندق الغميق، من مقلبٍ جغرافي آخر. نمرّ من أمام مسرح مونو. في الجوار تعرض مسرحية “هاملت الأمير المجنون” من بطولة رفعت طربيه. وبين جنون هاملت وجنون ما رأيناه ما أثار فينا ألف سؤال وسؤال تتمحور في واحد: هل نحن بحاجة الى مجانين أم الى عباقرة؟

 

مكوجي من آل السبع أعين، شيعي، مروا “الشيعة” ذاك الليل وخرطشوا على باب محله “حزب الله”. زجاج المحال المجاورة حُطّم. موقف السيارات على ضفة الشارع المقابل “مستوف” بالزجاج المحطم. سيارة محروقة بالكامل تُرفع من المكان قيل: السبب إحتكاكٌ كهربائي. نحاول أن نصدق.

 

ننزل من هناك في اتجاه ساحة الشهداء ورياض الصلح. نتوجه الى موقف اللعازارية، حيث صدى الحوارات والأفكار المطروحة، فنجد شبانا يحملون خيماً جديدة وآخرين يُركبون خيماً إشتروها للتوّ. هنا، في هذا المكان، حطم هؤلاء الشبان الآتين من الخندق الغميق ثلاث خيم تابعة الى “ري ليبانون”. “الغاضبون” من الثوار والثورة مروا من هنا. نسرح في الجوار. غريبٌ حقاً هذا الإصرار من الثوار على المضي قدماً في حراكهم وتخطي كل محاولات ثنيهم عن متابعة ما بدأوه في 17 تشرين. شبابٌ يناقشون فلسفة “الأناركية” بدل أن يتناقشوا في الإعتداء عليهم. وجماعة “الأناركية” ينتمون الى اليسار المتطرف.

 

هناك سيارات محطمة في الجوار. بيجو رقمها 360809 ج يملكها صاحب مشروع “غيت واي” أكلت نصيبها. سيارة نيسان رقمها 467590 ج أكلت نصيبها… نتابع طريقنا نحو ساحة الشهداء. نتأكد من وجود خيمة “الإعلام الحرّ” التي نصبتها “نداء الوطن”. نتابع في الأرجاء ونحن نتنفس الصعداء الى وجود خميرة أمل في الشباب ما زالت تفور تفاؤلا، بعد 41 يوماً، بأن الغدّ أفضل.