Site icon IMLebanon

الطريق الأسود نحو بروكسل

تشهد أوروبا تهديدات أمنية غير مسبوقة في تاريخها الحديث٬ في الوقت الذي ترزح عملتها المشتركة وأمنها الحدودي إلى جانب التبادل الاستخباري المشترك تحت ضغوط رهيبة.

يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تجديد نظامه الأمني برمته٬ والتخلص من أنابيب المواقد التي تعيق تبادل المعلومات٬ وفرض الأمن الحدودي٬ وحماية المواطنين بكل جدية.

خلال الشهور السابقة على هجمات الثلاثاء الماضي في بروكسل٬ «كان النظام الأمني يبعث بإشارات خطيرة»٬ وهي العبارة الشهيرة التي استخدمها جورج تينيت المدير السابق للاستخبارات المركزية الأميركية٬ واصفا الفترة السابقة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001. ومع ذلك٬ كانت بلجيكا مثل الولايات المتحدة قبل أحداث سبتمبر٬ غير قادرة على الربط ما بين الأمور.

إن الموجة المتطرفة التي تتجه نحو أوروبا٬ تصيبنا جميعا بالذهول: حيث قدرت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن أكثر من 38 ألف مقاتل أجنبي٬ تمكنوا من السفر إلى العراق وسوريا منذ عام 2012. وما يقرب من 5 آلاف منهم على أدنى تقدير قدموا من أوروبا٬ بما في ذلك 1700 مقاتل من فرنسا٬ و760 مقاتلا من بريطانيا٬ و760 مقاتلا من ألمانيا٬ و470 مقاتلا من بلجيكا٬ وفقا للبيانات الرسمية التي حصلت عليها «صوفان غروب»٬ وهي المؤسسة البحثية المعنية بالشؤون الأمنية. وبالنسبة إلى تعداد السكان٬ فإن بلجيكا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد هؤلاء المقاتلين.

لم تتمكن السلطات البلجيكية من العثور على صلاح عبد السلام٬ المخطط اللوجستي لهجمات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في باريس٬ لما يزيد على 120 يوما كاملة – حتى ألقي القبض عليه الجمعة الماضية٬ على بعد عدة مبان من حيث نشأ وترعرع في القطاع العربي٬ من حي مولينبيك في بروكسل. كان عبد السلام  يختبئ على مرأى من الجميع. ولكن الفشل في العثور المبكر عليه من وصمات العار التي لحقت بالنظام الأمني البلجيكي: حيث يتحرك المتطرفون في الخفاء٬ ولم يبذل الجانب البلجيكي الجهود المطلوبة في جمع أو تبادل ما يكفي من المعلومات والاستخبارات التي كانت متاحة أمامه. ولقد سمحت سلطات البلاد لحي مولينبيك أن يتحول إلى ملاذ آمن للمتطرفين – مما يجعله أمرا أشد خطورة على المجتمع البلجيكي من المتطرفين العاملين داخل سوريا والعراق وليبيا.

أما الجانب الأميركي٬ الأقل تعرضا لمثل تلك التهديدات الداخلية٬ قد يتصور وبشكل متعجرف ومغرور أنه بمعزل عن مثل تلك الهجمات.

كيف يمكن للولايات المتحدة وأوروبا وضع إستراتيجية أكثر فعالية لمحاربة تنظيم داعش؟ سوف يبدأ الأمر ولا بد بالتبادل الحقيقي للمعلومات والاستخبارات والقيادات العسكرية. وفي أعقاب صدمة بيرل هاربور المريعة٬ اجتمعت القيادة العليا الأميركية والبريطانية في واشنطن في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1941 لحضور «مؤتمر أركاديا». وعلى الرغم من ذكرى المؤتمر المهم٬ التي تعود للروابط الشخصية الوثيقة التي جمعت بين فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل٬ كان أهم إنجازات ذلك المؤتمر قاطبة٬ هو القيادة الموحدة التي أطاحت بالحساسيات التافهة ما بين الجيشين الأميركي والبريطاني٬ وما بين الدولتين الكبيرتين كذلك.

وبمجرد إقامة هذا التحالف الضخم٬ كان الانتصار النهائي حتما لا مفر منه٬ كما قال تشرشل من قبل.

إن العقبات التي تعترض طريق الانتصار على «داعش» مماثلة. فأجهزة الاستخبارات في البلدان الأوروبية تختلف من حيث القدرات والكفاءات. ويقول الخبراء إن بريطانيا وفرنسا تملكان أقوى أجهزة الاستخبارات الأوروبية٬ كما تملك ألمانيا جهاز استخبارات قادرا٬ ولكنه مكبل بالضغوط الشعبية الكبيرة٬ وبقية أجهزة الاستخبارات الأوروبية حقا ضعيفة٬ كما أنه ليس هناك جهاز استخبارات أوروبي موسع حتى الآن.

يقول مايكل ألان٬ مدير العاملين السابق في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي إن «هناك تقديرا شائعا بين مختلف العاملين المحترفين في عالم الاستخبارات٬ بأنه يتعين على تلك الأجهزة٬ بذل المزيد من الجهد والتعاون فيما بينها٬ وأنه ينبغي على الولايات المتحدة تولي زمام المبادرة والقيادة في تجميع تلك الأطراف سويا٬ تحت مظلة واحدة».

ليس بالضرورة لإستراتيجيات الاستخبارات التي نجحت في مواجهة تنظيم القاعدة٬ أن تلقى نفس النجاح في مواجهة «داعش». حيث يخلف التنظيم وراءه القليل للغاية من الإشارات الرقمية. وبالتالي٬ فإن المزيد من «الاستخبارات البشرية» – أي المزيد من الجواسيس القادرين على اختراق معسكر الأعداء – بات من الضرورات الملحة٬ على الرغم من خطورتها العالية. ومن الأساليب الأخرى الممكن استخدامها هي تطبيق «التعلم الآلي» على مجموعات البيانات الهائلة التي تؤدي إلى نتائج وخيوط أساسية: من المرجح تعرضه للتجنيد؟ ما الأهداف المحتملة؟ وما أفضل الطرق لعرقلة وتعطيل الخصوم المحتملين؟

يتعين على أجهزة الاستخبارات الغربية٬ الجمع ما بين القوات مع الولايات المتحدة٬ ومع بعضهم بعضا. والغرب في أمس الحاجة الآن إلى «مؤتمر أركاديا» جديد٬ من أجل بناء الشراكة الضرورية لاحتواء تنظيم داعش الإرهابي٬ أثناء وضع الخطط والمؤامرات٬ لشن الهجمات القادمة٬ على غرار عملية بروكسل الأخيرة.