IMLebanon

ابتزاز مشترك

اعدام جماعة النصرة للعريف علي البزال، ليس ضربة موجعة لعائلته أو بيئته وحسب، ولا للحرمة الاجتماعية المتجاوزة للمذاهب، على المستوى الاسلامي في لبنان فقط، انما هي موجهة أولاً وقبل كل شيء الى هيبة الدولة، كسلطة واعية ومنقذة، ويفترض أنها قادرة على معالجة الأمور بوعي ومسؤولية.

وما لم تتوصل الحكومة السلامية الى قرار جاد وحاسم، بالتعامل مع الوضع الناشئ عن خطف العسكريين، منذ مطلع آب الماضي، وعلى نحو يضع حداً منطقياً، لبرنامج الابتزاز المشترك للدولة اللبنانية، من جانب الخاطفين المطالبين بالافراج عن سجنائهم الموسومين بالارهاب، أو من طرف القوى المضادة، الممانعة في أي مفاوضة تنتهي بمقايضة، الا بمقابل الزام حكومة المصلحة الوطنية بدفع جزية العودة الى حض التعاون والتنسيق مع الجيران بصرف النظر عن مصير العسكريين المخطوفين، والمهددين بالتساقط دفعة واحدة، أو الواحد تلو الآخر!

ولن يشكل استمرار الرهان على وسيط قطري أو تركي، أو حتى العودة الى مزامير رجال الدين، الا عوائق وهمية بوجه الارهاب الزاحف، بفعله، أو عبر ردود الفعل عليه، باتجاه صروح الوحدة الوطنية التي هي حصن هذا البلد الحصين.

أما المماطلة والتسويف، بانتظار تطورات اقليمية أو تداعيات ذاتية، فلن يوقف نزف دماء العسكريين المسترهنين في جرود القلمون، ولن يخفف من آلام أهلهم المصادرين، في ساحة رياض الصلح أو خلف حواجز النيران المطاطية على الطرق الدولية، كما لن يحمي سياسة النأي بالنفس عن الاحداث السورية، من الخرق أو الاسقاط، طالما ان الشد الرسمي ما زال على كتف واحدة.

وثمة عوامل دولية دبلوماسية وتسليحية تصب في خانة حسم أمر التعامل مع خاطفي العسكريين بالتي هي أحسن. فنائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الذي أمضى يومين طويلين في لبنان، ركز بضرورة ابعاد لبنان عن مجرى النزاعات الاقليمية، وتبني سياسة النأي بالنفس مدعومة ب اتفاق بعبدا المبرمج والمنظم للنأي وبرامجه التطبيقية.

وقبل الروس وبعدهم، تحدث الغربيون بذات المنطق، ومع ذلك ما زالت بعض القوى المحلية المتأثرة باعتبارات معينة، تضغط على القرار الرسمي المربك، لاعتماد الحل على طريقة داوني بالتي كانت هي الداء…

والحل الممكن، يكون باستيلاد ادارة للحل، من داخل تركيبة ادارة الأزمة، فالمطلوب أن يشعر أهالي العسكريين المخطوفين، ومن خلفهم الشعب اللبناني، بأن حكومتهم ما زالت تملك خصوصية الخيار والتصرف، بمستوى بعض القوى السياسية والحزبية على الأقل.

ان لجوء هؤلاء الأهالي الى النائب وليد جنبلاط ليتولى شخصيا مفاوضة خاطفي أبنائهم، يجب ان ينظر اليه من زاوية حسن تقدير الناس للمواقف والرجال.

وعندما يجاهر مواطن بالرغبة في تسليم زمام حياة أبنائه، الى غير السلطة الحاضنة للجميع، فذلك يعني ان هذه السلطة ليست بخير، وبالتالي ان الاختباء خلف النوافذ، لا يعفي من المسؤولية.

والمطلوب خطوات جسورة تعيد ثقة الناس بأولياء الأمر، فانعدام الثقة يجرّ الى انعدام الولاء.

البعض في ١٤ آذار، تأثر كما يبدو، بتعثّر تطلعاته الرئاسية، فبدأ يعدّل مقعده في صفوف الحلفاء، باتجاه انفتاحي على الفريق الآخر عبر الدعوة الى اختبار الطروحات المستجدة في قضية العسكريين المخطوفين، وأبرزها الانضمام الى دعاة الانفتاح على النظام السوري، عبر احياء معاهدة التعاون والتنسيق، التي ذهبت عملياً مع رياح العام ٢٠٠٥، وبرغم قناعة الحلفاء بأن في مثل هذا التحوّل نوعاً من مخاطبة الكنّة لتسمع الجارة، فانهم يخشون ان يتحوّل هذا المزاح السياسي الى جدّ، من دون ادراك، بأن دمشق تفعل المستحيل للعودة الى ما سبق، فالمقاطعة اللبنانية الرسمية للنظام تحت عنوان النأي بالنفس، أفقدت دمشق دور الوسيط الدائم في الأزمات اللبنانية، وعبر هذه الوساطة يكبر دورها الاقليمي المصادر حالياً من أصدقائها في طهران.

وسرّ هذا الاصرار على احياء معاهدة التنسيق عبر حلّ قضية العسكريين المخطوفين، لأن من يدخل حكماً بين طرفين، يصبح سيّداً عليهما، بحسب الأمثال الرومانية…

فهل من اشتاق الى هذا؟