جرى إطلاق أعمال الحفر في حقل “قانا” في البلوك 9، كما المسح الثلاثي الأبعاد في البلوك 8 في المياه البحرية اللبنانية في 24 آب المنصرم، على أن تظهر نتائج الحفر في الأسبوع الأول من تشرين الثاني المقبل، على ما هو متوقّع، وتُعرف نتيجة المسح بعد جمع البيانات ووضع إتحاد الشركات العالمي الذي مُنح رخصة الإستطلاع، الدراسة المتعلّقة بتفاصيله. ويأمل لبنان أن تنبع الثروة النفطية من البلوك 9، وأن يُشكّل البلوك 8 بعد “تحريره” من التنازع عليه بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، الوجهة الجديدة للتنافس من قبل شركات النفط الدولية، لا سيما إذا ما أتت النتائج المنتظرة من البلوكين المذكورين إيجابية وواعِدة.
والبلوك 8 الذي تحرّر، وأعطيت رخصة الإستطلاع فيه الى شركة إتحاد شركات عالمي معني بهذا الأمر، كانت قد أُثيرت حوله إشكالات كثيرة قبل توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” بوساطة أميركية، عندما حاول الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين آنذاك، ومعه “الإسرائيلي” المفاوضة على خطّ متعرّج يقضم مساحة لا بأس بها من جنوب البلوك 8، ويصل الى “شمال خط هوف”، غير أنّ هذا الخط، ولحسن الحظّ، لم تتمّ الموافقة عليه.
وإذ يسعى لبنان من خلال دورة التراخيص الثانية التي تنتهي فترة التمديد الجديدة، وربما الأخيرة لها، في 2 تشرين الأول المقبل، قبل إعلان نتيجة التنقيب والإستكشاف في البلوك 9، الى جذب الشركات الدولية لتلزيم البلوكات المتبقية، أكّدت أوساط ديبلوماسية مواكبة لملف النفط أنّ العَين حالياً على البلوك 8 من ضمن البلوكات الثمانية المتبقية. كما أنّ عملية المسح الثلاثي الأبعاء له ضرورية جدّاً اليوم، سيما وأنّ لبنان لم يُجرِ في الفترة السابقة سوى مسحاً ثنائي الأبعاد فقط.
وذكّرت الاوساط بأنّ “إسرائيل” كانت تطمع بالحصول على جزء من البلوك 8 لسبب أو لآخر، كون المسوحات الجيولوجية التي أجرتها في المياه الفلسطينية المحتلّة قد أظهرت وجود حقول نفطية فيه. وفي حال جرى اكتشاف حقول مشتركة اليوم عند خط الحدود في البلوك 9 أو 8، فلا بدّ من إبلاغ الولايات المتحدة الأميركية عبر وسيطها الأميركي لحلّ هذه المشكلة. فقد نصّت إتفاقية ترسيم الحدود البحرية في الفقرة “أ” في القسم الثالث منها بأنّه “في حال تمّ تحديد أي تراكمات أو مخزونات منفردة أخرى من الموارد الطبيعية (…) على طول خط الحدود البحرية، غير تلك الموجودة في المكمَن المحتمَل (أي حقل “قانا”)، وفي حال تسبّبَ أحد الطرفين، في معرِض تطوير التراكمات أو المخزونات السابق ذكرها، بسحب جزء من تلك التابعة للطرف الآخر من خط الحدود البحرية أو استنفادها أو خفض منسوبها، فعندها يعتزم الطرفان، قبل المباشرة بالتطوير الطلب إلى الولايات المتحدة تيسير الأمور بين الطرفين بغرض التوصّل إلى تفاهم حول منح الحقوق والطريقة، التي يمكن فيها التنقيب عن أيّ تراكمات أو مخزونات وتطويرها بأعلى قدر من الفاعلية”.
وأشارت الأوساط نفسها الى أنّ “إسرائيل” حاولت خلال المفاوضات التي سبقت اتفاقية الترسيم، ضمان ما تعتقد أنّه حقوقاً إقتصادية تعود اليها، تقع تحديداً في البلوكات 4 و6 و7 و8 “الإسرائيلية، وتُحاذي هذه الأخيرة الخط 23″. وقد طالبت بجزء من البلوك 8 اللبناني، بهدف تحرير بلوكاتها من أي تأثير جيولوجي لبناني محتمل، ولأنّها تعتقد أنّ هذه البلوكات قد يكون لها امتدادات فيه. ولهذا، فإنّ احتمال وجود أي حقول مشتركة في هذا البلوك، على ما عقّبت الاوساط، سيكون موضع نقاش جديد بين لبنان و”إسرائيل” بوساطة الأميركي، على ما نصّت عليه إتفاقية الترسيم البحري، كونه صلة الوصل بين الطرفين، فضلاً عن الشركات المشغّلة للبلوك 8 أو أي بلوك آخر يتمّ فيه اكتشاف حقول مشتركة.
وأكّدت الاوساط أنّ الإهتمام ينصبّ اليوم على البلوكات المحيطة بالبلوك 9 من قبل الشركات النفطية الدولية، فيما يُركّز لبنان على تدفّق كميات تجارية منه، للإنتقال الى المرحلة الثانية التي تقضي بجذب شركات أخرى للبلوكات المتبقية لا سيما البلوك 8 ، خصوصاً بعد إجراء المسح وصدور نتائجه. وهذا لتسريع نمط الإستكشافات في المنطقة الإقتصادية الخالصة وعدم إضاعة الوقت في انتظار نتيجة بئر واحدة، بل العمل في آبار عدّة إذا سمحت الظروف، وتسنّى ذلك للبنان، وتطوير بالتالي هذه الثروات، وتحويلها من أصول تحت الأرض الى أصول مستدامة فوق الأرض.
وأوضحت الأأوساط عينها اننا ننتظر اليوم حصول إكتشافات، فلدينا احتمال كبير لاكتشاف الغاز والنفط معاً، أي للسوائل بحجم يتراوح بين 13 الى 15 %. الأمر الذي يستوجب القيام بعملية فصل الغاز عن البترول وتخزينه في مكان معيّن الى حين شحنه لاحقاً. ويُمكن أن يُصار الى تأمين الغاز الى الأسواق، والبحث في طريقة إيصاله اليها، قبل تطويره، ما يستلزم بين سنة وسنتين من الوقت. ولا بدّ هنا، من اختيار التكنولوجيا، أي الحلّ الأنسب لإيصال الغاز الى الأسواق، فإذا كانت لبنانية محليّة، بهدف الإستفادة منها في إنتاج الكهرباء، وتطوير الصناعات وتخفيف كلفة الصناعة على الصناعي اللبناني لكي يتمكّن من المنافسة بصناعاته في دول الخارج. فإنّ كلفة السلع اليوم هي “طاقة” بنسبة 30 الى 40 %، لهذا إذا تمكّن لبنان من تخفيف هذه الكلفة، فهو يساعد الصناعي اللبناني بذلك على المنافسة.
أمّا في حال وُجدت كميّات من الممكن تصديرها الى الخارج، فإنّ الحلّ عندها يكون مختلفاً، على ما عقّبت الأوساط، من ناحية التكنولوجيا، وطريقة إيصال الغاز الى الأسواق الخارجية. وهنا لا بدّ من هندسة وتصميم وتخطيط هذه المنشأة، الأمر الذي يستلزم المزيد من الوقت، ومن ثمّ يبدأ التنفيذ. لهذا يُمكن القول بأنّ هذه المرحلة تتطلّب 5 سنوات في الحدّ الأدنى منذ بدء الإكتشاف، لأنّ الخطوات العملية تحتاج الى وقت طويل. كما بالإمكان في حال توافر كميات كبيرة من الغاز والنفط، التسريع في عملية الإنتاج، أي في عملية إنتاج مجزّأة على مراحل، لأنّه عندها يمكن اللجوء الى حلول مؤقّتة للبدء بالإنتاج السريع، لأنّ الكلفة مبرّرة بحجم الإكتشافات.
وعن فقدان اهتمام الشركات بدورة التراخيص الثانية، تقول الاوساط بأنّ 53 شركة أبدت اهتمامها بدورة التراخيص الأولى، واليوم ثمّة 3 شركات فقط مهتمّة بدورة التراخيص الثانية. غير أنّ تمديد المهلة قد يجذب شركات أخرى، خصوصاً مع بدء عملية التنقيب في البلوك 9، وإجراء المسح في البلوك 8 والإهتمام الذي أظهره “كونسورتيوم” الشركات بالبلوكات اللبنانية، وإمكانية حصول إكتشافات واعِدة.