كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن انكشاف المطامع الدولية بغاز لبنان، والذي تجلّى بتحرّك المجتمع الدولي وتعاطفه مع لبنان، ابّان انفجار مرفأ بيروت، ووضع هذا التحرّك في خانة الصراع الكبير على التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط، وبأنّ «توتال» تتروى في نشر نتائج الحفر في البلوك رقم 4 ريثما يتعزز الوجود الفرنسي في المنطقة؟ ما صحة هذه التحليلات، وهل يوجد سرّ وراء ما يختزنه البلوك رقم 4؟
يؤكّد بعض المحللين فكرة انّ الصراع على النفط في لبنان بدأ، وبأنّ ما تخفيه تقارير «توتال» التي لم تظهر بعد، هو وراء عودة احتضان المجتمع الدولي للبنان أخيراً. ويرى هؤلاء، أنّ الوفود الديبلوماسية والعسكرية التي كثفت زياراتها الى لبنان، لا تدخل فقط في إطار الاهتمام بلبنان، انما لأسباب تتعلق بمصالحها الخاصة ونفوذها في المنطقة.
وتعزّزت هذه الحجج بقدوم البارجة البحرية البريطانية وحاملة الطوافات الفرنسية، وسفينة عسكرية تابعة للبحرية الإيطالية الى لبنان وغيرها وغيرها. أضف الى هذه الاحداث كلها تأخّر صدور تقرير شركة «توتال» حول نتائج الحفر في البلوك رقم 4، وهي كانت انهت اعمال الحفر في نهاية شهر أيار. واليوم، وبعد مرور3 اشهر على انتهاء هذه الاعمال، لم يصدر تقريرها بعد. فهل من لغز في البلوك رقم 4 ، ام انّ مجيء الوفود الغربية الى لبنان يدخل في خانة الاستعدادات لبدء الحفر في البلوك 9 المتوقع العام المقبل، حيث ترتفع حظوظ توفّر الغاز، ام لكل هذه التحركات خلفيات ومصالح محض سياسية، لمجابهة تمدّد النفوذ الإيراني في المنطقة؟
في هذا السياق، كشفت مصادر في هيئة قطاع البترول لـ«الجمهورية»، انّ الهيئة طلبت من شركة «توتال» عبر وزير الطاقة، ابلاغها عن الموعد الذي سترفع فيه تقريرها عن نتيجة الحفر في البلوك رقم 4. وأكّدت المصادر انّه فعلياً لم يحصل أي تأخير في تقديم التقرير، إذ من المتوقع ان يصدر نهاية الشهر الحالي او خلال اسبوعين كحد اقصى. وأعلنت المصادر، انّ شركة «توتال» لم تنته بعد من انجاز تقريرها حول البلوك رقم 4، وهي لا تزال تعمل عليه. لذا لم تتبلغ الهيئة بعد رسمياً متى تستلم نتائج الحفر، لكن من المتوقع ان تحصل على جواب عن موعد تسليم التقرير في غضون 48 ساعة.
وأكّدت المصادر انّ «توتال «لم تتأخّر في تقديم تقريرها. فمهلة الثلاثة اشهر لم تنته بعد، وهي لا تزال ضمن المهلة المحدّدة لها. لافتة الى انّ البلوك رقم 4 هو اول بئر استكشافي يتمّ الحفر فيه في المياه اللبنانية. لذا من الطبيعي ان تستغرق التحاليل كل هذه المدة.
واستهزأت المصادر بكل ما يُحكى على مواقع التواصل الاجتماعي، من انّ كل جيوش العالم قدمت الى لبنان لأطماع في الغاز اللبناني، وكأن لدينا كميات هائلة أكثر من أي دولة في العالم. أو ما يُشاع أيضاً من انّ «توتال» وجدت كميات هائلة من الغاز في المياه اللبنانية، وهي تتعمد إخفاء الامر الى حين تعزيز النفوذ الغربي في لبنان. وقالت: «انّ كل هذه الأفكار غير صحيحة البتة، بل هي مجرد اشاعات. فإذا تبين انّ لدينا بشائر غاز في البلوك رقم 4 فسيُبنى عليه في المستقبل. اما الآن فيجب ان تتركز الجهود على البلوك رقم 9 وكيف يمكن تسريع بدء عملية الحفر فيه، خصوصا انّ انفجار المرفأ تسبّب بأضرار لشركة «توتال»، حيث كانت تخزّن معدات لوجستية لغرض الحفر. وندرس اليوم من أي مرفأ يجب ان تعاود «توتال» اطلاق عملها لتسهيل اعمال بدء الحفر في البلوك 9».
وأسفت المصادر لتوظيف إدارة التوقعات النفطية في خدمة المصالح السياسية، في حين يجب ان يسير هذا الملف وفق الحوكمة الرشيدة التي تتبعها هيئة إدارة قطاع البترول ووزارة الطاقة.
رأي الخبراء
في السياق نفسه، يجمع الخبراء في قطاع البترول، انّ تقرير «توتال» لم يتأخّر في الصدور عن الموعد المحدّد له، وبأنّ المعلومات والتقارير التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مكامن غاز هي الاكبر في العالم وجدت في البلوك رقم 4 هي محض أكاذيب، وبأنّ ما يحويه هذا البلوك ليس معروفاً بعد.
ويشدّد الخبير النفطي عبود زهر لـ«الجمهورية»، انّ كل الروايات التي تربط حضور النفوذ الاجنبي الى لبنان بعد انفجار المرفأ، لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بأطماع الغاز ولا بنتائح البلوك رقم 4، فالبوارج التي حُكي عنها تقبع في بحر شرقي المتوسط منذ أكثر من 6 اشهر، وحاملة الطائرات الفرنسية «كليمنصو» كانت قرب قبرص تحسباً لأي تحرّك تركي هناك. وفي آخر المعطيات، فإنّ قبرص اخّرت التنقيب في مياهها حوالى السنة الى آب 2021 ، وبعدما كان النفوذ الفرنسي موجوداً هناك، انتقل الى لبنان ابان الانفجار، في محاولة لفرض نفسه هنا ايضاً، وتوفير منطقة مستقرة بين قبرص ولبنان.
من جهته، يقول مستشار مجلس النواب للشؤون النفطية ربيع ياغي لـ«الجمهورية»، انّه وفق العرف التقني، انّ حفر البئر الاستكشافي يستغرق 60 يوماً، وهذا ما قامت به شركة «توتال» في البلوك رقم 4 ، بغرض معرفة ما اذا كان الموقع الذي حفرت فيه مناسباً للحفر. وهل يحوي على مكامن نفطية وغازية؟
وشرح، انّه خلال فترة الحفر تأخذ الشركة عينات من التراب والصخور عن مستويات مختلفة تحت قعر البحر ويقومون بفحصها، وهذه العملية تستغرق ثلاثة اشهر في المختبرات، لذا فإنّه من المتوقع ان يصدر التقرير بعد 3 اشهر من عملية الحفر التي انتهت في اواخر ايار، وبالتالي، من المفترض ان يصدر التقرير اعتباراً من الاسبوع المقبل.
ولفت الى انّه وفق النتائج الاولية، يبدو انّ العينات خالية من آثار هيدروكاربون، بما يعني انّ النتائج ليست واعدة.
وقال: «استناداً الى المسوحات الجيولوجية، فإنّ المناطق الواعدة في لبنان بكميات تجارية هي مناطق الشريط الجنوبي اي البلوكات 8، 9 و10 وفي الشمال البلوكات 1 و2 ، بينما في بقية البلوكات هناك احتمالات لوجود مكامن غاز انما ليس بكميات تجارية، والبلوك 4 هو من ضمنها».
وعمّا يشاع من انّه لن تظهر اي نتائج لأي بلوك، ولن يتمّ استخراج اي نقطة نفط قبل الانتهاء من ترسيم الحدود مع اسرائيل، قال ياغي: «كل ما يُساق في هذا الاطار هو لإضاعة الوقت والبوصلة، فاسرائيل تمضي في اكتشافاتها النفطية وتطور حقولها، وستبدأ الانتاج التجاري من حقل كاريش في شهر آذار من العام المقبل، كما لديها اكتشاف في حقل آلوندي المجاور لكاريش، ما يعني ان لا علاقة لترسيم الحدود ببدء الحفر».
اضاف: «للبنان الحق الشرعي وفق قوانين الامم المتحدة لاقتسام الثروات البحرية ما بين الدول المتجاورة والمتقاربة، لكن اسرائيل لا تعترف بهذا القانون ولم توقّع عليه». واعتبر ياغي انّه «ولتثبيت سيادة لبنان في البلوك رقم 9 كان الاجدى بعملية الحفر الاستكشافي ان تبدأ فيه وليس بالبلوك رقم 4، انما كما يعلم الجميع، انّ الحفر بدأ من البلوك 4 لاسباب سياسية وشعبوية».