Site icon IMLebanon

يبحثون عن لبنان في البلوك رقم 9

 

حوّل زعماء لبنان جنّتهم جهنّماً فريداً موصوفاً بصحاريه الطائفية القاحلة وساحاتها الجرداء قُبالة الجنوب العربي والخليجي الطافح بالجنائن و«الجنّات على مدّ النظر» حيث شابّات اللبنانيين وشبابهم يكدّون ويفرحون هناك ليقطفوا المستقبل والرخاء والشوق القاتل لوطنهم لبنان عبر رحلتي الصيف والشتاء متحدّين كلّ من جعل لبنانهم جملاً باركاً في الأرض.

يتألمون ويتألّم العرب والعالم معهم على جمهورية الساحات المفتوحة حيث لا أبواب ولا نوافذ ولا قوانين بل جوع وعوز وعتمة وهجرات ونزوح فريد قاتل وفصول من السرقات اللامتناهية التي لم يشهدها تاريخ في السلب والنهب والقتل والتشليح والتشبيح البشري وقد صارت أرغفة اللبنانيين الوهمية وأحاديثهم ونصوصهم ومستقبلهم الأسود.

أستعين هنا بصرخةٍ معبّرة أطلقها الزميل الإعلامي المرموق الدكتور جورج يزبك الأستاذ في كليّة الإعلام حول اختفاء رياض سلامة حاكم مصرف لبنان السابق باعتباره فص ملحٍ غاب وغطس وذاب في مياه البلوك رقم 9 على ضفاف حقل كاريش أمام لحظ رؤسائنا حين رست باخرة الحفر والتنقيب عن النفط والغاز.

ماذا قال الدكتور يزبك عبر «صوت لبنان»؟ قال:

«يُحكى أنه عند وفاة أحد كبار اللصوص في العصر العباسي ويُدعى أدهم بن عسقلة، فُتحت وصيته لأتباعه اللصوص وجاء فيها:

لا تسرقوا امرأة، رياض سلامة سرق الإمرأة وابنتها، سرق الكبير والصغير، سرق المولود ومن لم يولد بعد. ولا تسرقوا جاراً، رياض سلامة سرق القريب والبعيد. وإذا سرقتم بيتاً اسرقوا نصفه واتركوا النصف الآخر ليعتاش عليه أهله. رياض سلامة سرق البيت كله، ويحتمي اليوم بـ«الفلاش ميموري» الذي يسمّي فيه بالاسم المستفيدين من خدماته، سياسيين وقضاة وعسكريين ومصرفيين وإعلاميين ورجال دين.

هل صار رياض سلامة في قبرص ومنها الى بلد ثالث بترتيبات سياسية أمّنت خروجه مقابل قبول لبنان باستقبال مهاجرين سوريين ضُبطوا في قبرص؟

كان رياض سلامة يتذرّع بعدم تبليغه أصولاً، مسمسراً لنفسه عذراً لعدم المثول أمام القاضية الفرنسية المتشددة. Aude Buresi كان يعرف أنها ستأمر بتوقيفه لإدراكه ما اقترف عقله وما جنت يداه. وكان يمثل بملء ثقة أمام قاضي التحقيق في بيروت. كان يعرف أنه سيحظى بكل وسائل الراحة. تخصيص المصاعد له، وصوله وخروجه بعيداً من العيون. كان يعرف أنه ذاهب الى دارة أمه لا الى بيت خالته. فجأة اختفى رياض سلامة. تعذّر ويتعذّر تبليغه فقط لأن القاضية المتشددة هيلانة إسكندر استأنفت قرار قاضي التحقيق أو قضاء الحكم أمام الهيئة الاتهامية، فاستشعر بالخطر.

التواري في قانون الجزاء احدى القرائن التي يستند إليها قضاء التحقيق أو قضاء الحكم للظن أو للإتّهام أو للإدانة. رياض سلامة لم يكن شحّاذاً عادياً اضطرته الحاجة لمدّ يده الى بيت المال. كان سارقاً موصوفاً مدّ يده لا توسلاً، بل مدّها غسلاً لأموال ونسلاً لها بين أقربائه وزوجاته وحبيباته والأبناء والأحفاد.

لم يمدّها تسولاً بل مدّها تطاولاً على المال العام والخاص، وتجوالاً في حسابات المودعين، وتداولاً في الاحتياطي، وتغوّلاً لا يشبع، ومقاولاً لا يرحم، ومجدولاً أرباحه على مدى ثلاثين عاماً. مدّ يده سارقا لجيبه ولجيوب مشغّليه الى أن أصبح الشغل الشاغل لهؤلاء، مشغولي البال اذا ما أصابه مكروه قضائي.

وبالرغم من هذا، يستمرّ الراقصون في ساحات الصيف اللبناني ومقاصفه والأمم تُصفق ضاحكةً لهم مبتهجةً بهم مجدّداً بين ساحةٍ لساحة ومن تحدٍّ وتلويحٍ باستنساخ حروبٍ قديمة الى تلويحٍ وتحدٍّ بحروبٍ جديدة، وكأنّنا على أبواب تنسيق الوصلات الأولى في الرقص المنتظر تفجّراً فوق النيران المُقيمة والمستوردة بحثاً في الطلاق النهائي عن الفدراليات والتقسيمات واللامكزيات الإدارية والمالية.

تجد أفواجاً لا يرقصون فرنسياً ولا ينبسون عربيّاً لا وجهاً ولا لساناً بعدما طفشوا أو يتمّ تطفيشهم المستحيل من لبنانهم سائلين: أين هي فرنسا التي عرفنا؟ أين العروبة وماذا تعني لنا بعد مع تبديد الشركاء للسلطات في الوطن؟

وتجد من يرقص أميركياً ومن جيبه الخاص في الدولة المُفلسة متابعاً بدقة تجديد قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومستقبل قوّات اليونيفيل في جنوبي لبنان.

وتجد من يرقص فلسطينياً بالكوفية والعقال وبلذّة اللحى الجاهزة أبداً للقتال في المخيمات كما في زوايا لبنان في وجه من يرقص متشدّداً أصولياً راسماً تعرّجات الوعورة فوق وجه لبنان والساحات السياسية لتصويبها لفظاً وسلوكاَ وهنداماً من الخارج أي خارج.

وتجد من يرقص إيرانياً دامغاً لبنان بخاتم عقيق الشوق للأحلام الإمبراطورية الفارسية القديمة وهندسة السباحة والإقامة في المياه المتوسطية تماماً وفقاً لما حصل في التاريخ القديم.

وتجد الراقص سورياً وسعودياً وقطرياً وصينياً وسوفياتياً وبريطانياً وسيرلانكياً وأثيوبياً… الخ. وتكتشف في البحث «زعماء لبنانيين» وفرقاً لا تُعدّ تختزن وصلات الأرض ورقصات شعوبها عبر تصريحاتهم ومواقفهم بهدف تحقيق المزيدٍ من ثرواتهم اللامتناهية فقط وتغوّلهم مستغرقين في نهب لبنان وتهشيم قجج الأبناء والأحفاد ورأس الوطن العنيد.

هذا هو المشهد!

رقص متنوّع يتكاثر في الساحات فوق لبنان المفتّت. يتعدّد الرقص ويتشعّب، ويتكاثر لبنان ويتشعب: اللسان بمئة لسان ولسان، والسروال سراويل، وابريق الفخار بمئة إبريق وإبريق، وطبق القش أطباق لا عدّ لها، وأحضان الأمهات والمدارس والجامعات بالملايين منها السرّي ومنها الجهري، والكتب والخطب والتصريحات والنوايا متعدّدة المضامين والمحتويات ومتناقض الأفكار والأحلام والقِيَم، والقاموس الوطني قواميس الأرض والمصطلحات المتشعبة المعاني والمتعددة التحريفات عبر أحزاب وتجمعات وقبائل تقبض على أعناق أوطانٍ لا حدود لها تلعق كلّ ما تبقّى من خيرات في كعوب الصناديق والجرار، وتقف جائعةً أبداً فاتحة أشداقها ذراريها وشركاتها الـ53 الخاصة أمام تدفقات جداول النفط والغاز حتّى تلك المتسربة الوسخة من بقايا حقل كاريش لا حقول لبنان وبلوكاته صارخين بوجه العالم:

هذا هو لبنانكم الجديد.

أدفنوا أولادكم وأحفادكم في مقابر ثورات فقركم وجوعكم.