IMLebanon

إنسداد

المشهد من الداخل، يبدو سوداوياً ومقفلاً بجدار من الإسمنت السميك على كل الصُعد، فالحوار بين القوى السياسية الذي كان مؤملاً له أن يُحدث خرقاً على صعيد الأزمة الرئاسية رُحّل إلى السادس والعشرين من الجاري وهو مرشّح لأن لا يلتئم مجدداً، ما دامت المواقف على حالها، فلا فريق الثامن من آذار مستعد لتقديم أي تنازل للإفراج عن هذا الإستحقاق بانتظار أن تتبلور التطورات في المنطقة، وفي سوريا تحديداً، ولا فريق الرابع عشر على استعداد لأن يستسلم أمام الضغوط، ويسلّم برهن لبنان إلى الخارج، والأمر نفسه ينسحب على الحكومة المشلولة بدورها بقرار خارجي لكي يشكّل ذلك ضغطاً على الداخل يوضع في خدمة نفس الأهداف التي جعلت الوضع الداخلي في هذه الحالة من التخبّط في الفوضى السياسية والأمنية والإجتماعية، وفي انسداد الأفق أمام الحلول المطلوبة أو الممكنة.

والمشهد على صعيد الشارع لم يعد أفضل من المشهد السياسي، بعد الصورة التي ظهر بها أمس الأول في قلب العاصمة، والتي أقل ما يقال عنها وفيها أنها جاءت مخيّبة لكل الآمال التي علّقها الشعب على أن يُشكّل هذا الحراك قوة ضغط على كل القوى السياسية لكي تستفيق وتلملم ما يمكن لملمته قبل أن تغرق السفينة بكل من عليها، وأثبت هؤلاء المتظاهرون أنهم إنعكاس لتلك الطبقة السياسية الفاسدة يمثلون الأدوار المسندة إليهم، بكل أمانة وإخلاص، وأن استخدامهم لبعض الشعارات الشعبوية هو من أجل ذرّ الرماد في العيون وإيهام اللبنانيين الذين يعيشون مأساة ممارسات الطبقة السياسية، بأن ما يفعلونه يصبّ في النهاية في مصلحتهم وليس في مصلحة أسيادهم، لكن أمرهم إنكشف على حقيقته أمام أعين جميع اللبنانيين بعد المشاهد المؤذية التي عرضتها كل وسائل الإعلام من إعتداء على القوى الأمنية المولجة بحمايتهم، وعلى الأملاك العامة والخاصة، ومن تخريب للبنى التحتية ولكل معالم الحضارة في وسط العاصمة، ولم يعد ينطلي على أحد جدية الشعارات التي يطلقونها ولا البيانات التي يصدرونها، وهو أمر مؤسف ومحزن أن ينتهي ذلك الحراك الشعبي الذي بدأ حراكاً شعبياً عفوياً وتعبيراً صادقاً عن وجع اللبنانيين ويأسهم من الطبقة السياسية التي عاثت فساداً وإفساداً في الأرض، وحوّلت اللبنانيين الى شعب يبحث عن وطن يأويه ويوفّر له الحياة الكريمة.