IMLebanon

وظيفة الثلث المعطّل

 

العودة إلى الانتظار القاتل كي يحصل اختراق ما في الانسداد السياسي الذي يحول دون ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تطرح مجدداً السؤال حول المدى الذي يمكن للأخير أن يذهب إليه في توقع تعديل في إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل على الحصول على 9 وزراء بالحد الأدنى من أجل استخدام الثلث المعطل في التحكم بالحكومة.

 

ليس في حساب ميقاتي على ما يبدو أن يبقى شهوراً كما فعل سلفه سعد الحريري، والذي أخذ العبر من تجربته. العارفون يقولون إن المسألة عنده تقاس بالأسابيع لأن استنزافه طويلاً يقضم من رصيده ومن وضعيته في الانتخابات النيابية المقبلة. وهو تجاوز الكثير من الأمور التي تأكل من هيبة الموقع الذي هو فيه وبقيت طي الكتمان.

 

لا الاتصالات الدولية الضاغطة من أجل التأليف، سواء كانت أميركية أو فرنسية، أنتجت دينامية جديدة تسمح بالمراهنة على الاختراق المطلوب في الحائط الباسيلي ولا الجهود والوساطات المحلية. فاتصال الرئيس إيمانويل ماكرون بنظيره الإيراني لم يسفر سوى عن تكرار الأخير الموقف المعلن لبلاده بأنها مع تشكيل حكومة لإخراج لبنان من أزمته وتأمين الاستقرار، مرحباً بدعم فرنسا في هذا المجال. إلا أن هذا الاتصال لم ينعكس على سلوك “حزب الله” حيال الثنائي عون – باسيل، اللذين بقيا على شروطهما. فالحزب يكتفي بالاتصال بالرئيس المكلف للاستفسار منه عما آلت إليه الاتصالات لمعالجة العقد لا أكثر.

 

أما وساطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم فقد توقفت عند موضوع الثلث المعطل منذ نهاية الأسبوع الماضي، فيما هو انطلق من صيغة الثلاث ثمانات في الـ 24 وزيراً، وحين وجد أن هدف الفريق الرئاسي الحصول على الثلث زائداً واحداً وأن الحل والربط في الأمر عند باسيل لا عون، انسحب من تلقاء نفسه، بعدما استنتج أنه غير مرغوب بوساطته.

 

أما الوساطات الأخرى مثل تحرك الصهر الآخر لطه ميقاتي، مصطفى الصلح فقد بقيت عند عقدة تسمية وزير الاقتصاد السني بعد رفض الفريق الرئاسي إسم السيدة حنين السيد وإصرار باسيل على المهندس أحمد عويدات، الذي لم يمانع الرئيس المكلف في تسميته إذا هو وافق على تولي الحقيبة. لكن عويدات رفض في لقاء مع ميقاتي مستبعداً أن تتمكن الحكومة من التصرف باستقلالية نظراً إلى معرفته بكيفية إدارة الشأن الحكومي من قبل الفريق الحاكم.

 

تعطيل ولادة حكومة ميقاتي بالثلث المعطل سيجنبه تحمل مسؤولية رفع الدعم نهائياً عن معظم السلع. وهو تالياً لن يكون مسؤولاً عند وصول حمولة باخرة المازوت الإيراني التي لوح الأميركيون بأنها ستؤدي إلى عقوبات على لبنان. وفي حال اعتذر بعد مدة لن يكون مسؤولاً عن خيار يمهد عون وباسيل لسلوكه يستفز الأميركيين والغرب، عبر عقد اجتماع للمجلس الأعلى اللبناني السوري، أي بزيارة عون إلى سوريا للقاء رئيس النظام بشار الأسد. فميقاتي لا يمكنه رغم مرونته، تغطية تحويل السلطة في لبنان إلى رأس حربة في المحور الإيراني السوري، لا سيما أنه أمر خلافي بين الفرقاء اللبنانيين لا يهتم الطاقم الحاكم في بعبدا لآثاره على الوضع السياسي الداخلي مثلما لا يأبه لتمديد الأزمة السياسية ولنتائجها على كل الأصعدة ولا سيما المعيشية.

 

الفريق الرئاسي يتشبث بالثلث المعطل لأن له وظيفة محددة في نظر الحلقة الضيقة التي تتخذ القرارات حول عون. فهو مطلوب من أجل تمكين الفريق الرئاسي من التحكم بتوقيت استقالة الحكومة عندما يرى مصلحته في ذلك. وإذا تعذر الحصول على هذا الثلث، فبقاء الحكومة المستقيلة الحالية أفضل. وإذا واجه العهد ضغوطاً إضافية من أجل التأليف، وصادف عقبات في ممارسته الحكم منفرداً، فإن التوجه نحو استقالة نواب تكتل لبنان القوي يبقى ورقة يلجأ إليها هذا الفريق. وقد يتم التوافق عليها مع تكتل “الجمهورية القوية” وحزب “القوات اللبنانية” الذي يدعو إلى هذه الخطوة منذ زمن، فإذا حصل ذلك تُنزع الميثاقية عن البرلمان، نتيجة انسحاب أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين منه. ومع أنه سيبقى شرعياً فإنه سيُشلّ طوال الأشهر المقبلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية في أيار المقبل.

 

سواء تمت هذه الخطوة أم لا، خطة الفريق الرئاسي أن يواصل عون ممارسة الحكم مثلما هي الحال الآن. يأخذ القرارات في إطار المجلس الأعلى للدفاع أو في الاجتماعات الاستثنائية التي يعقدها، فتنفذ من قبل وزراء الحكومة وهم مطيعون قابلون.