IMLebanon

مدوّنة اليائس!

ربما لا يكون خبر إسقاط ثالث طائرة حربية أسدية في غضون أسبوع سوى ترجمة موقتة لوصول بعض الصواريخ النوعية لجماعات المعارضة المسلحة.. لكن لا يجوز (شرعاً!) فصل هذا التطور عن سياق أكبر، ميداني وسياسي، بدءاً من عودة الحرارة إلى جبهات أرياف الشمال، وخصوصاً في محيط اللاذقية وعند تخوم مسقط رأس الأسد، وصولاً إلى الدراما المتعلقة بالعلاقات الروسية التركية، مروراً بكرسحة تطلعات أهل المحور الأسدي الإيراني الخاصة بـ»المعركة الكبرى» في حلب!

وذلك وغيره، ومنه الحديث عن عودة «إحياء» الجبهة الجنوبية، يدلّ من جهة على أن الإرادة الإقليمية الدولية الطاغية تتقاطع عند إبقاء ستاتيكو المد والجزر في الميدان على ما هو عليه، ولجم أي محاولات لكسره من الآن حتى حصول الانتخابات الرئاسية الأميركية.. ويدلّ من جهة ثانية (وأكثر أهمية) على أن بشار الأسد صار عبئاً كبيراً حتى على الخلّص من حلفائه، وأن هؤلاء يحاولون إفهامه جرعة وراء جرعة بأنه صار صفراً على الشمال، وأضراره أكبر من فوائده، وأن وظيفته الوحيدة التي لا تزال صالحة للاستثمار في هذه السوق السياسية العديمة الأخلاق، هي وضعه كفزاعة خشبية في حقل سوريا المفتوح لإبعاد «عصافير» الإرهاب قبل أن يأتي وقت اصطيادها وتنضج ظروف موسم الصيد ذاك!

ولا يحتاج تصوّر وضع الأسد في هذه الأيام إلى خيال استثنائي.. حيث إنه لا يفيق من صدمة حتى ينام على أخرى أسوأ منها.. وحيث إنه يقترب أكثر فأكثر من زاوية لا منفذ فيها: راهن على توريط الروس تماماً في المسلخ الذي يديره فتبين له عبث الرهان.. وعلى انفجار في «علاقاتهم» مع الأتراك فوقف الطرفان عند الحافة ثم عادا منها وعنها بحكم المنطق الصحّ! وراهن على نجاح سردية وضع العالم أمام المفاضلة بينه وبين الإرهاب (الذي لا ولم يصل إلى ما وصل إليه هو أصلاً وحقاً!) واكتشف ويكتشف أن البحث جار فعلياً وعملياً عن «الخيار الثالث» الذي لا يعني سوى إقرار حق أكثرية السوريين بتكوين سلطة وطنية خارج ثنائية المافيا والإرهاب! وراهن على فرضية ذهاب الإيرانيين إلى الآخر في اعتباره مقياساً لنفوذهم وشرطاً لمصالحهم، ويكتشف شيئاً فشيئاً أن إيران تدبّ الخطى باتجاه آخر وتضع مصالحها قبله وقبل غيره! وراهن على الميدان واكتشف ويكتشف أكثر فأكثر أن كل يوم من هذه النكبة تزيد خسائره مثلما تزيد كوارث سوريا والسوريين، لكن الفرق بينه وبين الذين يقاتلونه أنهم أقدر منه على التحمّل.. وأن كل أبواب الجحيم التي فتحها مع كل حلفائه وبكل أسلحته، لم تقوَ على كسر هؤلاء ولن تقوى!

منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية الشاملة ضده، كان واضحاً أنه لن يعوّف شيئاً إلا ويستخدمه ويعتمده لمحاولة تفادي مصيره المحتوم.. لكنه وصل بالأمس إلى حد «تنبيه» إيران وروسيا من أن ترددات سقوطه ستصيبهما مثلما ستصيب بقية العالم! وهذا إن دلّ على شيء فعلى وصوله فعلياً إلى مرحلة أبعد من الشكّ بنيّات هؤلاء «الحلفاء». وفي هذه يبدو منطقياً: عليه أن ييأس تماماً بتاتاً، وليس أن يشكّ فقط! وأن يخفّف قدر الإمكان من استعراضاته التي لا تؤكد إلاّ على ذلك اليأس!