كانت التكلفة التي دفعها أهالي بلدة القاع أمس، غالية وهي جزء من فاتورة دماء يدفعها اللبنانيون منذ ان استُجلب الإرهاب إلى داخل الحدود، وهي جزء أيضاً من مسلسل طويل وكأن ثمة من لا يُريد أن تنتهي فصوله المُستمرة من باب الأسر والتفجيرات الإنتحارية والخطف واستباحة كرامات الناس، وذلك عن طريق «شيطنة» أعداء لكل مرحلة مرة تحت عنوان مواجهة «التكفيريين»، ومرّات بحجة حماية الحدود و»سبي» المقامات، وصولاً إلى آخر المعزوفة «الجهادية» ومنها «لولا تدخلنا في سوريا لكان تنظيم داعش في جونية».
بالأمس كانت القاع على موعد مع الألم. خمسة من أبنائها ارتفعوا شهداء بعدما حموا بدمائهم أكثر من منطقة لبنانية كانت على خارطة الإستهداف. هذا مع العلم ان قادة «حزب الله» لطالما أتحفوا اللبنانيين بخطاباتهم وبأن عناصرهم اصبحت تُسيطر على اكثر من تسعين في المئة من مساحة الجرود وأنه لم يتبقّ سوى القليل وتُصبح المساحة كلها تحت «مرمى المقاومين». وما جرى بالأمس يكشف زيف كل هذه الإدعاءات والأقاويل ويُنذر بخطورة الأمور، كما يدعو إلى تكثيف وجود الجيش هناك وإلا فان دخول القرى الحدودية، لم يعد بالامر العسير على الإرهاب الذي يسكن داخل حدودنا.
حتّى اليوم لا يُريد «حزب الله «الإعتراف بأنّه استجلب الإرهاب إلى لبنان، وأنه هو من جعل من مناطق نفوذه ساحة حرب واستهداف دائم وأن خصومه قد استمدوا شرعيّة حربهم ضده، من خلال تشريع تدخّله في الحرب السوريّة. وفي ظل مكابرته على الأوجاع التي تُصيبه والخسائر التي يتكبّدها من جرّاء هذا الإنخراط، يُمعن الحزب في تعريض الآمنين في بلداتهم وقراهم للموت. وهنا لا بد من سؤال الحزب عن الدور الذي قام به لمنع وقوع اربعة تفجيرات انتحارية خلال أقل من نصف ساعة، خصوصاً انه لا يتورع في كل مناسبة، عن تربيح اللبنانيين جميلا بأنه هو من يحمي القرى الحدودية وأهلها من سكاكين وبنادق التنظيمات «الإرهابية».
ذاكرة «حزب الله» قصيرة وربما معدومة بالكامل، وهذا ما يدعو إلى تذكيره بين الفينة والأخرى، بارتكابات ومغالطات ارتكبها وسوّق لها. منذ أشهر قليلة «تنطّح» إعلام «حزب الله» بعد معركة قاسية في الجرود، إلى القول إنه «لم تعد لجبهة النصرة حريّة الحركة في الجرود، فهم باتوا مُحاصرين ضمن مناطق مُحدّدة. وقد اصبحت جبهة النصرة مُحاصرة من جهتين، حزب الله من جهة وتنظيم داعش من جهة اخرى. والحزب لم يسأل نفسه يومها ولا اليوم عن هذا التنسيق القائم بينه وبين داعش أو بالأحرى بين الاخير وبين النظام السوري الذي يفرض على الحزب غض الطرف في كثير من الاحيان عن تحركات هذا التنظيم الذي هو في الأصل وليد النظامين السوري والإيراني ومنهما استمد التسليح والتدريب.
ولمن لا يعرف طبيعة الجرود وجغرافيتها، يمكن أن يُلاحظ ان نقاط تمركز «داعش« لا تبعد أكثر من ثلاثمئة متر عن نقاط تمركز «حزب الله« وتحديداً في مشاريع القاع، والسؤال هنا، من سمح لهؤلاء بالعبور بالأمس إلى العمق اللبناني، والإتهام هنا ليس بالضروري أن يكون موجهاً ضد الحزب، لكنه في الوقت عينه لا يرفع عنه المسؤولية خصوصاً في ظل غياب المواجهات الميدانية الفعلية بين النظام وحلفائه وداعش وتحديداً إذا ما قورنت هذه التهم مع الحدث الكبير يوم سقوط القلمون السورية بيد «الممانعة»، فيومها هناك من سهّل عبور عناصر «داعش» من المناطق الحدودية للوصول إلى «الرقّة»، علماً ان جميع المناطق التي جرى عبورها، كانت وما زالت تخضع لسيطرة النظام السوري و»حزب الله».
كعادته تنصل «حزب الله« أمس من مسؤولياته عن تأزيم الوضع ووصوله إلى هذا المنحى الخطر الذي بات يتطلب منه اعادة قراءة لتدخّله في الحرب السورية والإنعكاسات الخطيرة التي تضع لبنان في عين العاصفة، لكن بدل قيامه بهذه الخطوة، راح يُحرّض يميناً وشمالاً حيث اعتبر أن «جريمة القاع هي نتاج جديد للفكر الوهابي الظلامي الذي بات ينتشر في المنطقة كالوباء«، وكأنها محاولة منه للتغطية على فشله في آمرين: حماية الحدود التي أزهق بحجة حمايتها آلاف الأرواح والجرحى، والامر الثاني، عدم قدرته على إتخاذ قرار بالعودة عن هذه الحرب التي تُلاحقه نتائجها في الداخل والخارج. والمفارقة أن مجزرة «القاع» فجر أمس، أتت بالتزامن مع الذكرى الثامنة والثلاثين على المجزرة التي قامت بها «الوحدات الخاصة» في الجيش السوري بحق ستة وعشرين شاباً من أبناء القاع، جرت تصفيتهم بدم بارد.