عندما لا يتحرك الناس لإنقاذ ضحية من براثن قاتلها، وعندما لا يهتم الناس سوى بشعائر التعزية، وعندما يلجأ الطائفيون الحقيرون الى العبث بمشاعر الناس… كل ذلك يعني أمراً واحداً: إننا في مجتمع يحتاج الى من يعلّمه أصول الحياة من جديد. من يعلّمه المشي وقيادة السيارة والذهاب الى المدرسة والعمل، والى من يعلمه كيفية احترام القانون، وكيف يأكل ويشرب ويلبس ويغني ويسافر وينتج و… إلخ.
وليكون ذلك، يجب أن يعرف الناس أن هذا الدرس ليس اختيارياً. لم يعد في الامكان ضبط اللبنانيين إلا بقوة الحاكم المستبد. ولا ضرورة للسؤال، هنا، عن العدالة المطلقة، وعن حريات كلها سموم، ومنفوخة باسم الاديان والطوائف والحساسيات والحسابات والرأسمال الحر والثقافة والشعر والابداع وحقوق الانسان، كلها حريات تريد أن تعيش خلافاً للقانون، مثلها مثل الذين يمسكون بمفاصل الدولة على اختلافها.
لم يعد لبنان يحتاج الى بيانات لتوصيف ما يجري فيه، ولا الى بيانات تدعو الى تطبيق القانون، ولا الى صرخات تطالب بتطبيق العدالة، ولا الى دراسات حول واقع هذا القطاع أو ذاك، ولا الى مقالات تندّد أو تحيّي، أو خلاف ذلك. لبنان في حاجة الى أن يستيقظ أهله، ذات صباح، ليجدوا الامور مختلفة تماماً عن أمسهم. ولا بأس في أن يقوم بالانقلاب من ليس في قلبه رحمة، لا على صغير ولا على كبير، وأن يكون قاسياً الى حدّ اختلاط التعسف بتطبيق القانون، وأن يكون دموياً أيضاً، حيث يجب. وكل الاخطاء التي يقوم بها حاكم مطلق لا تساوي، في غالبيتها، ربع أخطاء يستمر في ارتكابها كل من يمارس نفوذه اليوم على العباد، باسم الطائفة والمذهب والمال.
ما حصل في الصيفي فظيع الى أبعد من أهوال حرب أهلية كاملة. إنه الاشارة النهائية الى سقوط البلاد، الى سقوط كل شيء يجعلها قابلة للإصلاح بطرق تقليدية. حتى ردود الفعل القائمة حتى الآن لن تجعلنا أقل تطلباً لناحية الانقلاب الدموي، الذي لا يبقي على كل من له صلة بالحاكمين اليوم، ولو تطلب الامر ارتكاب جرائم جماعية بحق هؤلاء وعصاباتهم المنتشرة في كل حدب وصوب. وليحصل ذلك من دون السؤال عن وحدة وطنية تافهة، أو عن وحدة طوائف أكثر تفاهة، أو عن وحدة اجتماعية لا وجود لها إلا في بيانات التفّه الذين يسيطرون على البلاد اليوم.
لن ينفع لبنان أقل من انقلاب يجعل الرعب حقيقياً ومانعاً الناس حتى من الاعتراض همساً!