في حمأة المفاوضات التي تتولاها روسيا مع افرقاء اقليميين كالمملكة العربية السعودية وايران فضلاً عن أفرقاء الازمة السورية، أعاد إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التأكيد ان موقف روسيا من حل الازمة السورية لا يتغير، مشدداً على انه “من الضروري ان يقرر الشعب السوري بنفسه مستقبل بلاده”، الى الاذهان ما كان يعلنه النظام السوري بوصايته على لبنان من انه يعود للشعب اللبناني ان يقرر ما يريده بنفسه بالنسبة الى مستقبل بلاده في الوقت الذي كان هذا النظام يقرر بالنيابة عن اللبنانيين ويفرض ارادته عليهم. وفي رفض روسيا ان يكون مطلب استقالة الرئيس السوري شرطا لحل الازمة في هذا البلد، تناقض كلي مع اعلانها ضرورة ترك الشعب يقرّر ما يريد ما دامت روسيا تضع حدودا الى جانب افرقاء داعمين للنظام في مقابل معارضيه. والمغزى كما يفسر ديبلوماسيون الموقف الروسي، انه في الوقت الذي يظهر التناقض بين رفض التدخل وترك الشعب يقرّر والتدخل عملياً من اجل حماية النظام ان روسيا ترغب في الانطلاق من الستاتيكو القائم من اجل ايجاد حل. بمعنى ان هذا الستاتيكو يستند الى استمرار وجود الاسد بحيث تكون له كلمة في المرحلة الانتقالية وصولاً على الأرجح الى انتخابات قد تكون برعاية الامم المتحدة تحدد مصيره سلباً أو ايجاباً. وتفيد المعطيات المتوافرة لدى هذه المصادر بأن الروس قد يكونون متشجعين برأي مماثل لدى واشنطن انطلاقا من ان الهمّ الاساسي لدى الولايات المتحدة هو مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية والذي تشارك فيه مع روسيا ودول كثيرة اخرى كما انها تهتم تاليا بعدم انتهاء الاسد في غياب البديل بحيث تقع المؤسسات السورية في يد مسلّحي داعش او ان تتفتت الدولة السورية كما حصل بالنسبة الى العراق. والموقف الأخلاقي من ارتكابات الاسد وعدد الضحايا الهائل الذي تسببت به الحرب التي شنها ضد مواطنيه يفترض ان يكون رادعاً قوياً من اجل التمسك بعدم بقائه، وهو أمر يرتب احراجا خصوصا على الدول التي تتهم الاسد بممارسة الارهاب كما على تلك التي تقول بفقدانه الشرعية وتاليا بعدم امكان ان يشكل جزءاً من مستقبل سوريا. ولذا فإن التفاوض من اجل ايجاد حل لا يزال لا يهمل وجوده بما في ذلك ترك المجال مفتوحا امامه لكل الاحتمالات، على غرار قول لافروف انه “اذا كان بعض شركائنا يرون انه من الضروري التوصل الى اتفاق مسبق ليترك رئيس الجمهورية منصبه في نهاية الفترة الانتقالية فان روسيا ترفض هذا الموقف”. وهو عمليا امر لافت قياسا على المواقف التي اطلقها مسؤولون كبار كما الرئيس باراك اوباما او الرئيس التركي رجب طيب ارودوغان او معارضون سوريون زاروا موسكو ونقلوا عنها تبدلا في موقفها من عدم التمسك بالاسد.
تقول المصادر الديبلوماسية ان التحرك الروسي في الاسابيع القليلة الماضية في شأن الازمة السورية ايجابي في نقطة اساسية مهمة الى جانب واقع محاولة بذل جهود جدية لإنهاء الازمة وهي انه يبرز مساعي الحل استنادا الى بقاء سوريا موحدة وليس وفق ما يبرزه التورط الايراني ومعه تورط “حزب الله” مع النظام لجهة تقسيم المناطق السورية مذهبيا او تأمين ممر طائفي مفيد بين لبنان ودمشق واللاذقية وطرطوس. وفيما اظهرت روسيا حسن نية دفعها الى الواجهة في المساعي من اجل الحل او لعله كان ثمناً لذلك، من خلال الموافقة على لجنة دولية تقررت في مجلس الامن من اجل كشف من استخدم الاسلحة الكيميائية ضد المدنيين في سوريا، فانه يخشى ان يكون بشار الاسد يقوض هذه المساعي من خلال استمرار استهدافه المدنيين على غرار مجزرة دوما التي ذهب ضحيتها ما يزيد على المئة من المدنيين من خلال القصف الجوي متحديا بذلك مساعي تردد ان الولايات المتحدة تقوم بها من اجل ردع النظام عن استهداف مواطنيه بالبراميل المتفجرة. ويستفيد الرئيس السوري من الحماية المستمرة له ومن الصمت الدولي على بقائه في السلطة حتى اشعار آخر من اجل تصعيد استهدافه المدنيين بالطريقة التي حصلت في دوما، مستبقا كذلك بيانا رئاسيا كان متوقعا صدوره عن مجلس الامن دعما لجهود المنسق الدولي ستيفان دوميستورا يدعو الى وقف الاعتداءات على المدنيين والمناطق السكنية واستخدام اسلحة على غرار البراميل المتفجرة، وكانت فنزويلا التي هي من اعضاء دول البريكس وداعمة للنظام عرقلت صدوره حتى الآن متمسكة بصيغة تعطي اولوية للعودة الى ما يتضمنه الدستور السوري، ما من شأنه ان يمنع الصيغة التي اتفقت عليها الدول في دعم مرحلة انتقالية في سوريا.
ومع ان الحركة الديبلوماسية الروسية ناشطة على خطوط اقليمية ودولية عدة بما قد يؤدي الى تشكيل مجموعة من الدول تعمل على هذه الازمة وتضم دولاً اقليمية عدة لها مصالح في الأزمة السورية كالمملكة السعودية وايران وتركيا الى جانب الولايات المتحدة وتركيا، فإن المسألة قد لا تجد ترجمة فعلية قبل اقرار الاتفاق النووي في الكونغرس الاميركي او حسم مآله سلباً أو ايجاباً في مقابل انشداد ايراني الى مواقف مماثلة في الداخل الايراني. يضاف الى ذلك ان هذه المدة يفترض ان تشهد نشاطاً اقليمياً يخفّف التوتر القائم بين ايران ودول الخليج العربي انطلاقاً من ان استمرار هذا التور سيشكل مانعا دون نجاح اي جهود ديبلوماسية في المدى المنظور.