قدرات المقاومة حاضرة بقوّة… في أيّ مُفاوضات أو مُحادثات على خط «البلوك 9»
كشفت عمليات ترسيم الحدود التي اعقبت تحرير الجنوب من الاحتلال في ايار العام 2000، ان قوات الاحتلال كانت قضمت خلال 22 عاما من سيطرتها على شريط حدودي من القرى والبلدات الجنوبية، فوجد ضباط الجيش اللبناني وهم في جولات الترسيم ان سلسلة من الاسلاك الحدودية وضعت في عمق المناطق اللبنانية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، لكن الخرائط التي ابرزها خبراء الجيش اللبناني في علم الطوبوغرافيا، اكدت لبنانية مناطق شاسعة من الاراضي كانت قوات الاحتلال قد اوعزت الى شركات زراعية اسرائيلية الى استثمارها وزرعها، تمهيدا لضمها في حال استمرت مرحلة الاحتلال للجنوب اللبناني، ويذكر الاعلاميون الذين رافقوا وفد ضباط الجيش اللبناني المكلف ترسيم الحدود باشراف قوات الامم المتحدة في الجنوب «اليونيفيل»، كيف فاجأ رئيس الفريق اللبناني العميد امين حطيط الاعلاميين، بانه تم استعادة اكثر من مئة آلاف الدونمات من الاراضي المزروعة بالتفاح، كانت مسيجة بالاسلاك وملحقة بالاراضي المحتلة، وجميع هذه الاراضي بينت على لبنانيتها وثائق وخرائط اتفاق الهدنة.
والمطل على فلسطين المحتلة من الجنوب اللبناني، يتلمس مدى الحرص التاريخي للاحتلال في السيطرة على مناطق صالحة بنظرهم، لتكون حدودا دولية، تقوم على المرتفعات والتلال، في مسكفعام والمنارة ( 950م) والجبال المقابلة لبلدة رميش (1000 م) وتلة الراهب في علما الشعب (740م)، وتلال مستوطنة المطلة قبالة بلدة كفركلا، وصولا الى مرتفعات اصبع الجليل المتمددة الى مرتفعات جبل الشيخ ـ حرمون، ومنذ التوقيع على الهدنة مع لبنان، ارفق الاحتلال عمليات بناء المستوطنات على طول المناطق المتاخمة الحدود مع لبنان، باسكان آلاف المستوطنين، بالتزامن مع مجازر وحشية ارتكبتها عصابات الهاغانا و«شتيرن» الصهيونيتين، في قرى وبلدات في الداخل الفلسطيني، ولم تنجُ منها بلدات لبنانية، وما زال قول احد ابرز الحركة الصهيونية بن غوريون يتردد امام الاسرائيليين… «إذا لم نسارع إلى استيطان الجليل الأعلى فهذه ستكون هزيمة سياسية، ينبغي إقامة سلسلة من المستوطنات على امتداد شاطئ البحر حتى رأس الناقورة، وعلى امتداد حدود لبنان كلّها، وينبغي استقدام مهاجرين جدداً لهذا الغرض. .
اشكاليات عدة تخللت عمليات ترسيم الحدود، وتحديد الخط الازرق الوهمي، وهو خط الانسحاب الذي ارتسم في ايار العام 2000، بقرار احادي الجانب من قوات الاحتلال،بفعل حرب الاستنزاف التي شنتها المقاومة اللبنانية ضد مواقعها ودورياتها، على مدى 22 عاما، لم يستجب الاحتلال لتنفيذ قراري مجلس الامن 425 و426 الصادرين في اعقاب الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان في آذار العام 1978، واللذين قضيا بانسحاب اسرائيل من كافة الاراضي اللبنانية التي احتلتها، والتراجع الى ما بعد «خط الهدنة» المرسوم عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، التي تعتبر حدودا دولية، بضمانة الامم المتحدة.
وكان لبنان يمضي في سياساته، للفرض على الاسرائيليين الإذعان لمعاهدة باريس 1920 وترسيمها 1923، وهي تعاكس النظرة الاسرائيلية لطبيعة الحدود التي يجب ان تقوم مع لبنان، مع طرح اعتبارات يعتبرها الكيان الاسرائيلي ضرورية لامنه الاستراتيجي، فتارة كان ينادي باجراء تعديلات صغيرة هنا، ومعالجة المناطق الحدودية المتعددة الالتواءات والانحناءات والتضاريس الصخرية الصعبة ومنحدراتها، وغالبا ما كان يطرح الوفد الاسرائيلي الذي شارك في عملية ترسيم الحدود اعتماد الحدود الجالسة… والغاء الالتواءات، كما لو فرض ذلك مقايضة بين ارض هنا وارض هناك !،
ولاحقا تبين ان عمليات ترسيم الحدود، اثمرت عن استرجاع أراض لبنانية احتُلت عام 1948 منها قرابة 2400 دونم في بلدة هونين القريبة من بلدتي مركبا وعديسة، ومساحة 1850 دونما من اراضي ميس الجبل القريبة من مستوطنة المنارة القائمة بمبانيها على بعد عشرة امتار فقط من خط الحدود، واكدت مصادر الفريق اللبناني المكلف ترسيم الحدود في حينه، ان اكثر من 17 مليون وستماية الف مترا مربعا تم استعادته.
فيما لم تغب الاطماع الاسرائيلية بقضم اراض لبنانية، بالرغم من الوثائق الطوبوغرافية ووثائق الاتفاقيات الدولية الموجودة في الامم المتحدة، حيث بقيت تطل العقبات الاسرائيلية في ما خص ترسيم الحدود، وقد واجه لبنان المحاولات الاسرائيلية الساعية الى اعتماد الخط الازرق كخط للحدود، في وقت همست اوساط دولية، ان ما بين خط الهدنة والخط الازرق نسبة لا تتجاوز الـ 10 بالمئة من الاختلاف في الجغرافيا، وقد كرس لبنان حقه في هذه المسألة، حين قدم احتجاجا شديد اللهجة على ما سعت الامانة العامة للامم المتحدة تسويقه، من ان الخط الازرق هو خط حدودي دولي، غير موجود لا في الخرائط والوثائق اللبنانية ولا في الخرائط الدولية الموجودة لدى الامم المتحدة، او لدى دولتي الانتداب فرنسا وبريطانيا، فالخط الازرق هو الخط الاقرب الى الحدود الدولية.
الاسرائيليون حذرون والاميركيون مُربكون
الخميس المقبل، سيحمل الاجتماع الثاني للجنة العسكرية التي ترعاها قوات الامم المتحدة العاملة في الجنوب «اليونيفيل» وتضم ضباطا من الجيش اللبناني، وآخرين من قوات الاحتلال الاسرائيلي في رأس الناقورة، معطيات ومواقف جديدة في ما خص الخلاف على الحدود البحرية، في ضوء الاطماع الاسرائيلية بالثروة النفطية اللبنانية في البلوك رقم 9 المتاخم للمياه الاقليمية الفلسطينية المحتلة، وذلك بعد جولات مكوكية قامت بها الديبلوماسية الاميركية على خط بيروت ـ تل ابيب، لتصطدم الافكار الاميركية مع الموقف اللبناني الحاسم لجهة التمسك بالحق اللبناني باستثمار ثرواته النفطية في مياهه الاقليمية، ورفض النظرية الاميركية المستندة الى «خطة هوف» التي تُسَوِّق لاقتسام المنطقة، بحيث يحصل الكيان الاسرائيلي على 40 بالمئة من البلوك النفطي، مقابل 60 بالمئة للبنان.
ومن المتوقع ان يخرج الاجتماع بإجابات اسرائيلية، بعد الموقف اللبناني الرافض لاي بحث في «لبنانية» المنطقة الاقتصادية الخالصة، ليحمل الصراع الجديد بين لبنان والاطماع الاسرائيلية، عنوانين يصطدمان جغرافيا، بالخط الازرق «الوهمي» الذي رسمته الامم المتحدة كخط مؤقت للحدود، يضمن التأكد من الانسحاب الاسرائيلي في ايار العام 2000، وهو ما يسعى الاحتلال الى تكريسه لخط دولي للحدود، فيما لبنان يتمسك بـ «خط الهدنة» الذي ارتسم في العام 1949، وهو خط حدودي واضح لا يتضمن مناطق متنازع عليها، لكن الاحتلال يتعامل مع هذا الخط على انه لم يعد موجودا.
من اكثر الخطوط الجغرافية الساخرة التي نشأت على الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية المحتلة، هو «خط الهدنة» الذي «وُلد» في تموز العام 1949، اثر معارك عسكرية، وسخرية خط الهدنة ان الكيان الاسرائيلي ومنذ نشأته في العام 1948، يخرق كل الخطوط مستبيحا الحدود… وينتهك الاجواء ويرتكب المجازر في القرى والبلدات الامامية الواقعة قرب خط الحدود مع فلسطين المحتلة، فالاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، وفي حروبها ضد لبنان، لا يتعامل مع خط الهدنة، ما دام ان سلسلة طويلة من الحروب والاجتياحات البرية، شنها الكيان الاسرائيلي على لبنان، واعتماد الخط الازرق الذي ارتسم في اعقاب تحرير معظم المناطق الجنوبية من الاحتلال في ايار العام 2000، في حين ان لبنان يعتبر ان خط الهدنة ما زال قائما، وان الخط الازرق هو خط لحدود مؤقتة وغير نهائية، بانتظار تسوية اوضاع ثلاث عشرة نقطة حدودية ما تزال متحفظاً عنها.
الذي حرَّك لبنان لمواجهة الاطماع الاسرائيلية بما تختزن المنطقة الاقتصادية الخالصة من ثروات نفطـية تقع ضمن البلوك النفطي رقم 9، ان قوات الاحتلال بـاشرت بناء جدار حدودي من الاسمنت في منطقة رأس الناقورة الساحلية، الواقعة قبالة منطقة البلـوك النفـطي، وهي من ضمن المناطق المتنازع عليها بين لبنان والكيان الاسرائيلي، استباقا لاي بحث في طبيعة الحدود الدولية من شأنه ان يمنعه من السيطرة على حقول النفط، ليستعين بالدور الاميركي لممارسة الضغوط على لبنان.
ان لبنان الرسمي يستند في تحركه الى المعطيات التي قدمها ممثل لبنان لدى القوات الدولية «اليونيفل» الذي استدعي إلى اجتماع مع الرؤساء الثلاثة، ليقدم نتائج اجتماع اللجنة الثلاثية العسكرية في مقر القيادة الدولـية في رأس الناقورة، والتي أظهرت ان ما من تجاوب إسرائيلي حيال الطرح اللبناني لجهة تصحيح النقاط الـ13 المتنازع عليها، وجرى التحفظ عنها عند الخط الأزرق، وان الجانب الإسرائيلي مصر على بناء الجدار من دون تأكيد حول ما إذا كانت الاحتلال ستستـكمل بناء الجدار في النقاط التي يتحفظ عنها لبنان، وبخاصة نقطتا رأس الناقورة والعديسة، وخـطورة هذه الخطوة، في حال اقدم الاسرائيليون عليها، فانها ستنعكس على الحدود البحرية، وبالتالي، فان البلوك رقم 9 سيكون في دائرة الاطماع الاسرائيلية، وكما افادت التقارير، فان قوات الاحتلال اوقفت عملية بناء نقاط للجدار في المناطق المتنازع عليها، مع الاستمرار في وضع المكعبات الاسمنتية في نقطة حدودية لا خلاف حولها، وليمتد الجدار لمسافة 5 كيلومترات، من دون ان تتوضح بعد وضعيته عند منطقة الساحل البحري، قبالة منطقة البلوك النفطي رقم 9.
… والمقاومة حاضرة
«حزب الله» الذي يراكم تجاربه ضد الاحتلال، بتعزيز قدراته، نجح، في رأي المتابعين، في وضع الاسرائيليين في موقع المتخوف من الاقدام على اي خطوة غير مدروسة، بشأن ملف البلوك النفطي البحري رقم 9، تأتي انسجاما مع اطماعهم التاريخية.. بالارض والمياه والنفط، فمع تنامي وتعاظم قدرات «حزب الله» القتالية والصاروخية، ومع بروز ملف النفط والعين الاسرائيلية ـ الاميركية عليه، يقدم الحزب اليوم نفسه، كقوة قادرة وجاهزة للرد على اي اعتداء او عدوان على لبنان او على ثرواته النفطية، تأكيدا على حقه في سيادته على ثرواته الطبيعية، والسلوك الاسرائيلي تجاه الملف النفطي المستجد، الذي بدا متريثا وحذرا، بفعل الجدية في الموقف الرسمي، والتناغم الحاصل بين هذا الموقف الحاسم في التمسك بالحقوق، والموقف الجاد الذي اعلنه امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في «ذكرى القادة الشهداء»، بما خص جهوزية المقاومة وقف العمل في محطات الغاز في البحر الفلسطيني الذي يغتصبه كيان العدو، خلال ساعات، في حال قرر المجلس الدفاع الاعلى اللبناني ذلك، في اشارة الى الوقوف وراء الدولة في تحمل مسؤولياتها الوطنية الكبرى، وهو موقف سيكون حاضرا بقوة في اي وساطات او مفاوضات او مناقشات مستقبلية قد تجري برعاية الامم المتحدة. بدا لبنان، على غير الصورة التقليدية التي صُبغت عليه طوال العقود الماضية، لجهة كيفية التعامل مع الاعتداءات والاطماع الاسرائيلية، هذه الصورة المحصنة بموقف رسمي وبقوة المقاومة على الفعل، ستصطدم بالتأكيد بالحسابات الاسرائيلية المباركة اميركيا، وبالتالي، فان لبنان لن يكون في هذه الحالة ضحية الاطماع الاسرائيلية بنفطه، بعد ان كسر الصورة النمطية لحجمه وقدراته تجاه المخاطر الاسرائيلية، ما يضع قادة الاحتلال امام موازين قوى جديدة يفرضها لبنان بزيه الرسمي… والمقاوم، تُبعدهم عن ارتكاب اي مغامرة غير محسوبة النتائج والحسابات.
«خط الهدنة»… أطاحت الإجتياحات الإسرائيليّة
«خط الهدنة» كلمة السر والعلن… لمجموعة من الاتفاقيات وقعها الكيان الاسرائيلي مع دول عربية مجاورة لفلسطين المحتلة في العام 1949، أي بعد عام واحد على اقامته على ارض فلسطين، سيما مع مصر والاردن وسوريا ولبنان ، غداة ما عرف بـ«الحرب العربية ـ الاسرائيلية 1948»، حيث وضعت اتفاقيات خط الهدنة المنطقة في هدنة صُوَرية، بقيت قائمة على الرغم من الحروب والاعتداءات والاجتياحات الاسرائيلية لاراض عربية في الدول الموقعة لهذه الاتفاقيات.
في ماخص اتفاق الهدنة بين لبنان والكيان الاسرائيلي، والموقعة في 23 آذار 1949، يدرك القـارئون في وثائقها، انها قامت تحت عنوان تسهيل اعادة السلم الى فلسطين!؟ واعترافا بما للضمانات المتبادلة حول العمليات العسكرية للفريقين من اهمية، والتأكيد على ان يحترما توصية مجلس الامن بعدم اللجوء الى القوة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية، وعدم جواز القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية التابعة لاي من الفريقين القيام باي عمل عدواني او التخطيط له او التهديد به، ضد شعب الفريق الآخر او قواته المسلحة، واحترام حق كل من الفريقين في امنه وعدم الهجوم عليه من جانب القوات المسلحة التابعة للفريق الآخر، تحت مندرج تصفية النزاع المسلح واعاة السلم الى فلسطين، لكون احكام هذه الاتفاقية مبنية على الاعتبارات العسكرية دون غيرها.
وحرمت اتفاقية الهدنة ارتكاب اي فئة من القوات البرية او البحرية أو الجوية، العسكرية أو شبه العسكرية التابعة لأي من الفريقين، بما في ذلك القوات غير النظامية، ان ترتكب أي عمل حربي او عدائي ضد قوات الفريق الآخر العسكرية أو شبه العسكرية، او ضد المدنيين في الأراضي التي يسيطر عليها الفريق الآخر، ولا يجوز لها لأي غرض كان ان تتخطى او تعبر خط الهدنة المبين في المادة الخامسة من هذا الاتفاق، او ان تدخل او تعبر المجال الجوي التابع للفريق الآخر او المياه الواقعة ضمن ثلاثة اميال من الخط الساحلي التابع للفريق الآخر، ولا يجوز توجيه اي عمل حربي او عمل عدائي من اراض يسيطر عليها احد فريقي الاتفاق ضد الفريق الآخر.
بحيث يشكل خط الهدنة، وفق المادة الخامسة من الاتفاق، هو الخط الذي لا يجوز ان تتخطاه القوات المسلحة التابعة لكل من الفريقين، ما يعني ان الحدود الفعلية التي ترعاها الامم المتحدة، على ان تكون القـوات المسلحة في الجانبين في موقع دفاعي، ولحـظت ان يتم تخفيض المستوى الدفاعي، خلال عـشرة ايام من تاريخ توقيع الاتفاق، والمباشرة بنزع الالغام من المناطق التي يخليها الفريقان وارسال المخططات التي تبين مواقع حقول الألغام الى الفريق الآخر، كما نصت على تبادل جميع اسرى الحرب التابعين للقوات النظامية وغير النظامية، تحت اشراف الامم المتحدة، على ان يجري التبادل في منطقة رأس الناقورة خلال اربع وعشرين ساعة من توقيع الاتفاق، ويشرف على العمل بالاتفاق «لجنة هدنة مشتركة» يرأسها رئيس اركان هيئة مراقبة الهدنة التابعة للامم المتحدة، ويكون مقرها في مخفر حدودي لجهة فلسطين المحتلة في مستوطنة المطلة، وفي مخفرحدودي في الاراضي اللبنانية في الناقورة، وتكون قرارات لجنة الهدنة المشتركة بالإجماع كلما تيسر ذلك، وإلا اتخذت القرارات بأكثرية اصوات اعضاء اللجنة الحاضرين المقترعين.