لا يختلف اثنان على أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ساهم في إحداث خرق متقدم جداً على صعيد كسر الحواجز التي كانت مرفوعة حول جبل محسن، وإعادة وصل ما انقطع بين «تيار المستقبل» وأهله.
وقد جاء ذلك، خلال الزيارة التفقدية للمشنوق في اليوم التالي على التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف أحد المقاهي في جبل محسن، وتأكيده أن زيارته ليست لكونه وزيراً للداخلية فحسب، بل هي أيضا للتضامن، فضلا عن إعلانه أن الرئيس سعد الحريري سيتكفّل بالتعويض عن كل الخسائر التي أحدثها التفجير الإرهابي.
لم ينسّق المشنوق زيارته مع نواب وقيادات تيار «المستقبل» في طرابلس الذين حرقوا خلال السنوات الماضية كل «المراكب» التي يمكن أن تنقلهم الى جبل محسن.
لكن زيارة المشنوق بقيت ضمن المقبول والمعقول بالنسبة للقيادات الزرقاء، فالرجل أولاً وأخيراً وزير داخلية ومهامه تحتم عليه زيارة منطقة استهدفها تفجير إرهابي، بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الطائفي أو المذهبي لأهلها.
لكن ما أحرج قيادات «المستقبل» في طرابلس وصولاً الى إثارة حفيظتهم، هو «الخط الأزرق» المباشر الذي فُتح من بيروت الى جبل محسن، فكانت زيارات نواب باسم كل من الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، وذلك من دون أي تنسيق مسبق معها أو حتى إعلامها، أو توجيه الدعوة لها للمشاركة فيها.
وترك «الخط الأزرق» المباشر من بيروت الى جبل محسن سلسلة علامات استفهام حول: كيف يمكن للقيادات المركزية في «تيار المستقبل» أن تعيد وصل ما انقطع مع أبناء جبل محسن من دون القيادات الزرقاء في طرابلس والتي هي على تماس مباشر معهم؟ ولماذا هذا العزل المستمر لقيادات «المستقبل» في طرابلس بدءاً من زيارة أحمد الحريري الفردية الى المناطق الشعبية قبل أسابيع، وصولا الى ما بعد التفجيرين الانتحاريين في جبل محسن؟ وكيف يمكن ترميم الجسور المنهارة بين نواب وأركان «المستقبل» في طرابلس وأبناء جبل محسن بعد كل هذه الفترة من العداء والاتهامات المختلفة؟ ولماذا لم تأخذ القيادة المركزية هذا الأمر بعين الاعتبار لتستفيد من هذا المصاب الجلل والقيام بخطوة اجتماعية جامعة لتيار «المستقبل» باتجاه جبل محسن؟
ثمة تفسيران لما حصل: الأول، أن هناك هوة تتسع يوماً بعد يوم بين القيادة المركزية لـ «المستقبل» وأركان وكوادر التيار في طرابلس، وشكّلت الزيارات الى جبل محسن ترجمة عملية لها ومن قبلها زيارة أحمد الحريري الى المدينة.
والثاني، أن نواب وقيادات «المستقبل» في طرابلس الذين ذهبوا بعيدا في الصراع مع جبل محسن وليس بالأمر السهل القيام بزيارته، فكانوا منسجمين مع أنفسهم، وهم ينتظرون مزيداً من الوقت والتواصل ليبادروا الى تقديم واجب العزاء.
تقول مصادر قيادية طرابلسية في تيار المستقبل لـ «السفير»: إن الزيارات التي جرت لم نكن على علم مسبق بها، ولم يتم التنسيق معنا أو دعوتنا لنشارك فيها، لكن في مطلق الأحوال كانت خطوة جيدة باتجاه جبل محسن، من شأنها أن تساهم في فتح الأبواب أمام الجميع.
وأكدت المصادر نفسها أن أركان تيار «المستقبل» في طرابلس سيكون لهم محطة في جبل محسن عند الإعلان عن الهِبة التي قدمها الرئيس سعد الحريري للتعويض عن الأضرار التي تسبب بها التفجير الانتحاري المزدوج، وهذا من شأنه أن يساهم في تعزيز هذا التواصل.
وكشفت هذه المصادر أن هِبة الرئيس الحريري تتضمن دفع سبعة ملايين ليرة لبنانية عن كل شهيد، ومليوني ليرة لكل جريح، فضلا عن التكفل بإصلاح الأضرار المادية التي نتجت من التفجير.