نحن «لا نتفهّم ولا نتمنّى»، ما حدث بالأمس أصاب اللبنانيّين بحالة قرف ويأس غير مسبوقة، حتى العدوّ لن يجرؤ على تطويق بيروت وقطع طرقاتها مانعاً تواصلها مع باقي المناطق، من غير المقبول الصمت على أن تتحوّل مطالب المتقاعدين العسكريين المحقّة سكّيناً ينحر عنق الشعب اللبناني، وهو نفس الشعب الذي يقبض العسكريّون المتقاعدون رواتبهم وتقاعدهم وطبابتهم من ضرائب مواطنيه المدفوعة حتى آخر قطرة من دمه وعرق جبينه، «كتير هالقدّ»!!
ما حدث بالأمس جريمة ارتكبت بحقّ اللبنانيّين، وإظهارُ احتقار غير مسبوق حتى من العدوّ ومن الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة بحقّ الشعب اللبناني! ومن غير المقبول ولا المسموح أن تقف قيادة الجيش اللبناني متفرّجة على ما يحدث، واجب الجيش حماية الشعب اللبناني لا التفرّج عليه في المفاصل الكبرى والاكتفاء بالتّحديق من بعيد!
وليس مقبولاً أبداً أن نسمع من بعض العسكريين المتقاعدين أنّهم لو ذهبوا إلى مجلس النواب ستعطى الأوامر للجيش بمواجهتهم وأنّهم لن يسمحوا بوقوع مواجهة مع رفاقهم في السّلاح، هذا كلام معيبٌ بحقّ الجيش اللبناني سواء فيه المتقاعدين والذين في الخدمة، هذا الكلام يعني أنّ الشعب اللبناني مكسر عصا لهؤلاء، وأنّهم «يستقوون» على المدنيّين والعزّل والبسطاء والكادحين من المواطنين اللبنانيّين الذين طالهم من موازنة التقشّف أضعاف وأضعاف ما سينال المتقاعدين العسكريين منها!
«بلا قرف»! هذا ما كان ينقص هذا الشعب «المعتّر» الذي لم يبقَ أحدٌ في هذا البلد لم يستوطىء حائطه ووطأه بحذائه، من حيث يدري العسكريّون المتقاعدون أو لا يدرون، ومن حيث تدري قيادة الجيش التي نحترم ونجلّ دورها هم يضعون الجيش في مواجهة الشعب اللبناني، حالة الغضب والقرف التي عمّت اللبنانيّين بالأمس مخيفة، فرواتب المؤسسات العسكريّة والأمنيّة مدفوعة من دم الشعب اللبناني ودماء أبنائه، ولا أحد «مفضّل» على هذا الشعب حتى يعامله بهذا الاحتقار بالأمس، «نحن لسنا برغش»، ونحن «لسنا حيوانات محاصرة في سياراتها بدل الأقفاص»، والمطلوب من قيادة الجيش وضع حدّ لهذه المهزلة والتوصّل مع العسكريين المتقاعدين على أسلوب حضاري يعبّر عن اعتراضاتهم التي اعتبر الشعب اللبناني منذ البداية أنّها محقّة!!
من يريد الحصول على حقّه لا يستطيع أن يصل إليه بباطل قطع الطرقات ومحاصرة المدنيّين، ما شاهدناه بالأمس يحدث في لبنان مخيف جدّاً، و»ترهيب» غير معقول للشعب اللبناني، وعلى الجميع أن يعي أن مثل هذا المشهد إذا ما تكرّر ستكون عواقبه وخيمة، إذ ماذا لو قرّر المواطنين مواجهة محاصريهم؟ واجبات الجيش اللبناني حماية الشعب اللبناني، لا غضّ النّظر عن قطع طريقه ومحاصرته في الشوارع وسط دخان الإطارت المشتعلة!
المستاؤن الكثر من مشهد الأمس اعتبروا ما حدث «غزوة 7 أيار عسكرية نظاميّة» وتقليدٌ لـ 7 أيار الميليشياويّة، وليسمح لنا العسكريّون المتقاعدون، ماذا لو قرّر اللبنانيّون الذين حاصروهم بالأمس على الطرقات أن يمتنعوا عن دفع الضرائب لهذه الدولة الفاشلة والبدء بعصيان مدني، عندها من أين سيقبض هؤلاء جميعاً رواتبهم؟!
كفى احتقاراً وإذلالاً للشعب اللبناني، توجّهوا إلى المعنيّين بالموازنة في السراي الحكومي ومجلس النوّاب ودعونا نرى «مراجلكم» عندها وأي طرقات ستقطعونها، ومن سيتفهّم ويتمنّى عندها.. تبّاً لهكذا دولة وهكذا بلد!